(لَوْ كانَ فِيهِما) يعني في السماء والأرض (آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فإنه قد أجمعنا مع المشركين على ثبوته سبحانه ، وخالفونا في الأحدية ، فكان الدليل المنصوب لهم من عند الله على أحديته ، أنه لو كان له شريك في فعله يسمى إلها لكان لا يخلو إما أن يختلفا في كون الشيء أو يتفقا ، فإن اختلفا فالذي ينفذ اقتداره هو الإله ، والذي يعجز ليس بإله ، وإن اتفقا فيقدّر الاختلاف ، فيلزم منه ذلك بعينه ، وتقدير الإمكان في المحال بالفرض ، كوقوع الكائن في أحد الإمكانين على السواء ، وهذا القدر كاف فيما يعطيه عقول الأعراب ، فإنه لا أجهل ممن اتخذ شريكا مع الله. اعلم أن العلم بتوحيد الألوهة لمسمى الله لا توحيد الذات ، فإن الذات لا يصح أن تعلم أصلا فالعلم بتوحيد الله علم دليل فكري لا علم شهود كشفي ، فالعلم بالتوحيد لا يكون ذوقا أبدا ولا تعلق له إلا بالمراتب ، قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) وهذا بطريق فرض المحال ، فوحد الإله ، وما تعرض لذات الله سبحانه ، لأن الفكر فيها ممنوع شرعا (لفسدتا) أي لم يوجدا يعني العالم العلوي وهو السماء ، والسفلي وهو الأرض ، أي لو كان مع الله إله آخر لفسد النظام والأمر ، وقد وجد الصلاح وهو بقاء العالم ، فدل على أن الموجد له لو لم يكن واحدا ما صح وجود العالم ، هذا دليل الحق على أحديته ، وطابق الدليل العقلي في ذلك ، ولو كان غير هذا من الأدلة أدل منه عليه لعدل إليه وجاء به ، وما عرفنا بهذا ولا بالطريق إليه في الدلالة عليه ، فقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) هذه المقدمة ، والمقدمة الأخرى السماء والأرض وأعني بهما كل ما سوى الله ما فسدتا ، وهذه هي المقدمة الأخرى ، والجامع بين المقدمتين وهو الرابط الفساد ، فانتجتا أحدية المخصص وهو المطلوب ، وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان ثم إله زائد على الواحد لم يخل هذا الزائد إما أن يتفقا في الإرادة أو يختلفا ، ولو اتفقا فليس بمحال أن يفرض الخلاف لننظر من تنفذ إرادته منهما ، فإن اختلفا حقيقة أو فرضا في الإرادة فلا يخلو إما أن ينفذ في الممكن حكم إرادتيهما معا وهو محال ، لأن الممكن لا يقبل الضدين وإما أن لا ينفذا ، وإما أن ينفذ حكم إرادة أحدهما دون الآخر ، فإن لم ينفذ حكم إرادتيهما فليس واحد منهما بإله ، وقد وقع الترجيح فلا بد أن يكون أحدهما نافذ الإرادة وقصر الآخر عن تنفيذ إرادته فحصل العجز ، والإله ليس بعاجز ، فالإله من نفذت إرادته وهو الله الواحد لا شريك له ، ولهذا الأصل ما بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعثا قط ولو كان اثنين إلا قدم أحدهما وجعل الآخر