نفوسهم على مخالفتهم عليا ، ليظهر (١) من العجائب ما أكرمه الله به ، من طاعة الأرض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله ـ بما أوقفه موقفك ، وأقامه مقامك ـ ليعلموا أن ولي الله عليا غني عنهم ، وأنه لا يكف عنهم انتقامه إلا بأمر الله ، الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه ، والحكمة التي هو عامل بها ، وممض لما يوجبها.
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الجماعة ـ من الذين اتصل به عنهم (٢) ما اتصل في أمر علي عليهالسلام والمواطأة على مخالفته ـ بالخروج ، فقال لعلي عليهالسلام ـ لما استقر عند سفح بعض جبال المدينة ـ : يا علي ، إن الله تعالى أمر هؤلاء بنصرتك ومساعدتك ، والمواظبة على خدمتك ، والجد في طاعتك ، فإن أطاعوك فهو خير لهم ، يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين ، وإن خالفوك فهو شر لهم ، يصيرون في جهنم خالدين معذبين.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لتلك الجماعة : اعلموا أنكم إن أطعتم عليا سعدتم ، وإن خالفتموه شقيتم ، وأغناه الله عنكم بما سيريكموه ، وبما سيريكموه.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا علي ، سل ربك ـ بجاه محمد وآله الطيبين ، الذين أنت بعد محمد سيدهم ـ أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت ، فسأل ربه تعالى ذلك ، فانقلبت فضة.
ثم نادته الجبال : يا علي ، يا وصي رسول رب العالمين ، إن الله قد أعدنا لك إن أردت إنفاقنا في أمرك ، فمتى دعوتنا أجبناك ، لتمضي فينا حكمك ، وتنفذ فينا قضاءك.
ثم انقلبت ذهبا كلها ، وقالت مقالة الفضة ثم انقلبت مسكا وعنبرا وعبيرا (٣) وجواهر ويواقيت ، وكل شيء منها ينقلب إليه يناديه : يا أبا الحسن ، يا أخا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، نحن مسخرات لك ، ادعنا متى شئت. (٤) ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا علي ، سل الله ـ بمحمد وآله الطيبين ، الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله ـ أن يقلب لك أشجارها رجالا شاكي السلاح (٥) ، وصخورها أسودا ونمورا وأفاعي.
فدعا الله علي بذلك ، فامتلأت تلك الجبال والهضبات وقرار الأرض (٦) من الرجال الشاكي السلاح الذين لا يفي بواحد (٧) منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين ، ومن الأسود ، والنمور ، والأفاعي ، حتى طبقت (٨) تلك الجبال والأرضون والهضاب بذلك ، كل ينادي : يا علي ، يا وصي رسول الله ، ها نحن قد سخرنا الله لك ، وأمرنا
__________________
(١) في «س ، ط» : أن يظهر.
(٢) في «ط» : التي اتصل منهم.
(٣) العبير : الزّعفران أو أخلاط من الطّيب. «القاموس المحيط ـ عبر ـ ٢ : ٨٦».
(٤) في المصدر زيادة : لتنفقنا فيما شئت نجبك ، ونتحوّل لك إلى ما شئت ، ثم
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أرأيتم قد أغنى الله عزّ وجلّ عليّا ـ بما ترون ـ عن أموالكم؟
(٥) رجل شاك في السلاح : وهو اللاّبس السلاح التامّ فيه. «مجمع البحرين ـ شوك ـ ٥ : ٢٧٨».
(٦) قرار الأرض : ما قرّ فيه ، والمطمئن من الأرض. «القاموس المحيط ـ قرر ـ ٢ : ١٢٠».
(٧) هذا الشّيء لا يفي بذلك : أي يقصر عنه ولا يوازيه. «المعجم الوسيط ـ وفى ـ ٢ : ١٠٤٧».
(٨) طبّق الشّيء : عمى ، وطبّق السحاب الجوّ : غشّاه ، وطبّق الماء وجه الأرض : غطّاه. «القاموس المحيط ـ طبق ـ ٣ : ٢٦٤».