المحجات (٩) ، سلم الله تعالى إليه من قصور الجنة أيضا ما لا يعلم قدرها هو ، ولا يقدر (١٠) قدرها إلا خالقها أو واهبها.
ألا ومن ترك المراء والجدال واقتصر على التسليم لنا ، وترك الأذى ، حبسه الله على الصراط ، فإذا حبسه الله على الصراط ، فجاءته الملائكة تجادله على أعماله ، وتواقفه على ذنوبه ، فإذا النداء من قبل الله عز وجل : يا ملائكتي ، عبدي هذا لم يجادل ، وسلم الأمر لأئمته ، فلا تجادلوه ، وسلموه في جناني إلى أئمته يكون منيخا (١١) فيها بقربهم ، كما كان مسلما في الدنيا لهم.
وأما من عارض بـ (لم وكيف) ونقض الجملة بالتفصيل ، قالت له الملائكة على الصراط : واقفنا ـ يا عبدالله ـ وجادلنا على أعمالك ، كما جادلت أنت في الدنيا الحاكين لك عن أئمتك.
فيأتيهم النداء : صدقتم ، بما عامل فعاملوه ، ألا فواقفوه ، فيواقف ويطول حسابه ، ويشتد في ذلك الحساب عذابه ، فما أعظم هناك ندامته ، وأشد حسراته ، لا ينجيه هناك إلا رحمة الله ـ إن لم يكن فارق في الدنيا جملة دينه ـ وإلا فهو في النار أبد الأبدين.
قال الباقر عليهالسلام : ويقال للموفي بعهوده في الدنيا ، في نذوره وأيمانه ومواعيده : يا أيها الملائكة ، وفي هذا العبد في الدنيا بعهوده ، فأوفوا له ها هنا بما وعدناه ، وسامحوه ، ولا تناقشوه ، فحينئذ تصيره الملائكة إلى الجنان.
وأما من قطع رحمه ، فإن كان وصل رحم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قطع رحمه ، شفع أرحام محمد إلى رحمه ، وقالوا : لك من حسناتنا وطاعتنا ما شئت ، فاعف عنه ؛ فيعطونه منها ما يشاء ، فيعفو عنه ، ويعطي الله المعطين ما ينفعهم [ولا ينقصهم].
وإن كان وصل أرحام نفسه ، وقطع أرحام محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن جحد حقهم ، ودفعهم عن واجبهم ، وسمى غيرهم بأسمائهم ، ولقبهم بألقابهم ، ونبز بألقاب قبيحة مخالفيه من أهل ولايتهم ، قيل له : يا عبدالله ، اكتسبت عداوة آل محمد الطهر أئمتك لصداقة هؤلاء! فاستعن بهم الآن ليعينوك ، فلا يجد معينا ولا مغيثا ، ويصير إلى العذاب الأليم المهين.
قال الباقر عليهالسلام : ومن سمانا بأسمائنا ، ولقبنا بألقابنا ، ولم يسم أضدادنا بأسمائنا ، ولم يلقبهم بألقابنا إلا عند الضرورة التي عند مثلها نسمي نحن ونلقب أعداءنا بأسمائنا وألقابنا ، فإن الله تعالى يقول لنا يوم القيامة : اقترحوا إلى أوليائكم هؤلاء ما تعينونهم به ، فنقترح لهم على الله عز وجل ما يكون قدر الدنيا كلها فيه كقدر خردلة في السماوات والأرض ، فيعطيهم الله تعالى إياه ، ويضاعفه لهم أضعافا مضاعفات.
فقيل للباقر عليهالسلام : فإن بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي عليهالسلام وأن ما فوقها ـ وهو الذباب ـ محمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم!
__________________
(٩) المحجّة : جادة الطريق. «مجمع البحرين ـ حجج ـ ٢ : ٢٨٨».
(١٠) في «ط» : يقادر.
(١١) أناخ فلان بالمكان : أقام. «المعجم الوسيط ـ ٢ : ٩٦١».