عباده المؤمنين (ما بَعُوضَةً) أي ما هو بعوضة المثل (٥) (فَما فَوْقَها) فوق البعوضة وهو الذباب ، يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده المؤمنين ونفعهم.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وبولاية محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وآلهما الطيبين ، وسلم لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم ولم يقابلهم في أمورهم ، ولم يتعاط (٦) الدخول في أسرارهم ، ولم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا بإذنهم (فَيَعْلَمُونَ) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (أَنَّهُ) المثل المضروب (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أراد به الحق وإبانته ، والكشف عنه وإيضاحه.
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بمعارضتهم في علي بـ (لم وكيف) وتركهم الانقياد في سائر ما أمر به (فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) يقول الذين كفروا : إن الله يضل بهذا المثل كثيرا ، ويهدي به كثيرا ، فلا معنى للمثل ، لأنه وإن نفع به من يهديه فهو يضربه من يضله به.
فرد الله تعالى عليهم قيلهم ، فقال : (وَما يُضِلُّ بِهِ) يعني ما يضل الله بالمثل (إِلاَّ الْفاسِقِينَ) الجانين على أنفسهم بترك تأمله ، وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته ، فقال عز وجل : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) المأخوذ عليهم بالربوبية ، ولمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنبوة ، ولعلي عليهالسلام بالإمامة ، ولشيعتهما بالمحبة (٧) والكرامة (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) إحكامه وتغليظه (٨) (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام والقرابات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم.
وأفضل رحم وأوجبه حقا رحم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن حقهم بمحمد كما أن حق قرابات الإنسان بأبيه وأمه ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم حقا من أبويه ، كذلك حق رحمه أعظم ، وقطيعته أفظع وأفضح.
(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالبراءة ممن فرض الله إمامته ، واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمُ الْخاسِرُونَ) قد خسروا أنفسهم وأهليهم لما صاروا إلى النيران ، وحرموا الجنان ، فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد ، وحرمتهم نعيم الأبد».
قال : «وقال الباقر عليهالسلام : ألا ومن سلم لنا ما لا يدريه ثقة بأنا محقون عالمون لا نقف به إلا على أوضح
__________________
(٥) قوله عليهالسلام : ما هو بعوضة المثل ، لعلّه كان في قراءتهم عليهمالسلام (بعوضة) بالرفع ـ كما قرئ به في الشواذ ـ قال البيضاوي ـ بعد أن وجّه قراءة النصب بكون كلمة (ما) مزيدة للتنكير والإبهام أو للتأكيد : وقرئت بالرفع على أنّه خبر مبتدأ ، وعلى هذا تحتمل (ما) وجوها أخر : أن تكون موصولة حذف صدر صلتها ، أو موصوفة بصفة كذلك ومحلّها النصب بالبدليّة على الوجهين ، أو استفهامية هي المبتدأ. أنظر تفسير البيضاوي ١ : ٤٤ ، بحار الأنوار ٢٤ : ٣٩٢.
(٦) فلان يتعاطى كذا : أي يخوض فيه. «مختار الصحاح ـ عطا ـ ٤٤١»
(٧) في «ط» : بالجنّة.
(٨) غلّظ اليمين : قوّاها وأكّدها ، وغلّظ عليه في اليمين : شدّد عليه وأكّد. «المعجم الوسيط ـ غلظ ـ ٢ : ٦٥٩».