درجة قد أوثر بها غيركما ـ كما أردتما ـ بغير حكم الله تعالى.
قال الله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) عن الجنة ، بوسوسته وخديعته وإيهامه وغروره ، بأن بدأ بآدم فقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (٦) إن تناولتما منها تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٧) لا تموتان أبدا.
(وَقاسَمَهُما) (٨) حلف لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٩) وكان إبليس بين لحيي (١٠) الحية أدخلته الجنة ، وكان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه ، ولم يعلم أن إبليس قد اختفي بين لحييها.
فرد آدم على الحية : أيتها الحية ، هذا من غرور إبليس لعنه الله ، كيف يخوننا ربنا؟ أم كيف تعظمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين ، أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عز وجل ، وأتعاطاه بغير حكمه؟! فلما يئس إبليس من قبول أمره (١١) منه ، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها ، وقال : يا حواء ، أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عز وجل حرمها عليكما ، قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما ، وتوقير كما إياه؟ وذلك أن الملائكة الموكلين بالشجرة ـ التي معها الحراب ، يدفعون عنها سائر حيوان الجنة ـ لا تدفعك عنها ، إن رمتها (١٢) ، فاعلمي بذلك أنه قد أحل لك ، وأبشري بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه ، الآمرة الناهية فوقه.
فقالت حواء : سوف أجرب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله تعالى إليها : إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأما من جعلته متمكنا (١٣) مختارا ، فكلوه إلى عقله (١٤) الذي جعلته حجة عليه ، فإن أطاع استحق ثوابي ، وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرضوا لها ، بعد ما هموا بمنعها بحرابهم ، فظنت أن الله تعالى نهاهم عن منعها لأنه قد أحلها بعد ما حرمها.
فقالت : صدقت الحية. وظنت أن المخاطب لها هي الحية ، فتناولت منها ولم تنكر (١٥) من نفسها شيئا.
فقالت : يا آدم ، ألم تعلم أن الشجرة المحرمة علينا قد أبيحت لنا؟ تناولت منها فلم يمنعني أملاكها ، ولم أنكر شيئا من ذلك.
__________________
(٦ ، ٧) الأعراف ٧ : ٢٠.
(٨ ، ٩) الأعراف ٧ : ٢١.
(١٠) اللحي : عظم الحنك ، واللّحيان : العظمان اللّذان تنبت اللحية على بشرتهما. «مجمع البحرين ـ لحا ـ ١ : ٣٧٣».
(١١) في المصدر : آدم.
(١٢) رمت الشيء : إذا طلبته «الصحاح ـ روم ـ ٥ : ١٩٣٨».
(١٣) في المصدر : ممكنا مميّزا.
(١٤) وكل فلانا إلى رأيه : تركه ولم يعنه. «معجم الوسيط ٢ : ١٠٥٤».
(١٥) التنكّر : التغيّر. «لسان العرب ـ نكر ـ ٥ : ٢٣٤».