قرار الأرض بريح الصبا. فقال : ادخلوها ؛ قالوا : كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين.
فقال الله عز وجل : فاضرب كل طود (١١) من الماء بين هذه السكك ؛ فضرب ، فقال : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت في هذا الماء طيقانا (١٢) واسعة يرى بعضهم بعضا منها ؛ فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضا منها ، ثم دخلوها.
فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه ، فدخل بعضهم ، فلما دخل آخرهم ، وهم بالخروج أولهم أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم ، فغرقوا ، وأصحاب موسى ينظرون إليهم ، فذلك قوله عز وجل : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إليهم.
قال الله عز وجل لبني إسرائيل في عهد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : فإذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد ، ودعاء موسى ، دعاء تقرب بهم [إلى الله] أفلا تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد وآله إذ (١٣) شاهدتموه الآن؟ ثم قال الله عز وجل : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)».
قال الإمام عليهالسلام : «كان موسى بن عمران عليهالسلام يقول لبني إسرائيل : إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من ربكم ، يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله.
فلما فرج الله عنهم ، أمر الله عز وجل أن يأتي للميعاد ، ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل ، وظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب ، فصام موسى ثلاثين يوما (١٤) ، فلما كان في آخر الأيام استاك قبل الفطر. فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى ، أما علمت أن خلوف (١٥) فم الصائم أطيب عندي من رائحة المسك؟ صم عشرا أخر ولا تستك عند الإفطار ؛ ففعل ذلك موسى عليهالسلام ، وكان وعد الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة ، فأعطاه إياه.
فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل ، وقال : وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة ، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون ، أخطأ موسى ربه ، وقد أتاكم ربكم ، أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ؛ فأظهر لهم العجل الذي كان عمله ، فقالوا له : كيف يكون العجل إلهنا؟
قال لهم : إنما هذا العجل مكلمكم (١٦) منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة ، فالإله في العجل كما كان في الشجرة ؛ فضلوا بذلك وأضلوا.
__________________
(١١) الطود : الجبل العظيم. «الصحاح ـ طود ـ ٢ : ٥٠٢».
(١٢) الطيقان : جمع طاق : وهو ما عطف من الأبنية. «الصحاح ـ طوق ـ ٤ : ١٥١٩».
(١٣) في المصدر زيادة : قد.
(١٤) في المصدر زيادة : عند أصل الجبل.
(١٥) الخلوف : رائحة الفم المتغيّرة. «مجمع البحرين ـ خلف ـ ٥ : ٥٣».
(١٦) في المصدر : يكلمكم.