فقال موسى عليهالسلام : يا أيها العجل ، أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل ، وقال : عز ربنا عن أن يكون العجل حاويا له ، أو شيء من الشجر والأمكنة عليه مشتملا ، ولا له حاويا ، لا ـ والله ، يا موسى ـ ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط ، وحفر في الجانب الآخر في الأرض ، وأجلس فيه بعض مردته ، فهو الذي وضع فاه على دبره ، وتكلم لما قال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) (١٧) يا موسى بن عمران ، ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها إلا بتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين ، وجحودهم بموالاتهم ، ونبوة النبي ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها.
قال الله تعالى : فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي ، فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعلي وقد شاهدتموهما ، وتبينتم آياتهما ودلائلهما؟
ثم قال الله عز وجل : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل ، لعلكم ـ يا أيها الكائنون في عصر محمد من بني إسرائيل ـ تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم».
ثم قال عليهالسلام : «وإنما عفا الله عز وجل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد وآله الطيبين ، وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين ، فعند ذلك رحمهمالله وعفا عنهم».
ثم قال عز وجل : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) قال : «واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب ـ وهو التوراة ـ الذي أخذ على بني إسرائيل الإيمان به ، والانقياد لما يوجبه ، والفرقان آتيناه أيضا ، فرق به ما بين الحق والباطل ، وفرق ما بين المحقين والمبطلين.
وذلك أنه لما أكرمهم الله تعالى بالكتاب والإيمان به ، والانقياد له ، أوحى الله بعد ذلك إلى موسى عليهالسلام : هذا الكتاب قد أقروا به ، وقد بقي الفرقان ، فرق ما بين المؤمنين والكافرين ، والمحقين والمبطلين ، فجدد عليهم العهد به ، فإني قد آليت على نفسي قسما حقا لا أتقبل من أحد إيمانا ولا عملا إلا مع الإيمان به.
قال موسى عليهالسلام : ما هو يا رب؟
قال الله عز وجل : يا موسى ، تأخذ على بني إسرائيل أن محمدا خير النبيين (١٨) وسيد المرسلين ، وأن أخاه ووصيه علي خير الوصيين ، وأن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق ، وأن شيعته المنقادين له ، المسلمين له ولأوامره ونواهيه ولخلفائه ، نجوم الفردوس الأعلى ، وملوك جنات عدن».
قال : «وأخذ عليهم موسى عليهالسلام ذلك ، فمنهم من اعتقده حقا ، ومنهم من أعطاه بلسانه دون قلبه ، فكان المعتقد منهم حقا يلوح على جبينه نور مبين ، ومن أعطاه بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور ، فذلك الفرقان الذي أعطاه الله عز وجل موسى عليهالسلام ، وهو فرق ما بين المحقين والمبطلين.
ثم قال الله عز وجل : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لعلكم تعلمون أن الذي به يشرف العبد عند الله عز وجل هو
__________________
(١٧) طه ٢٠ : ٨٨.
(١٨) في المصدر : خير البشر.