لبعضهم : أنت فلان ، أنت فلانة؟ فتدمع عينه ، ويومئ برأسه أن نعم (٢٥).
فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ، ثم بعث الله عز وجل عليهم مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر ، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام ، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها (٢٦) ، لا هي بأعيانها ، ولا من نسلها.
ثم قال علي بن الحسين عليهالسلام : إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك ، فكيف ترى عند الله عز وجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهتك حريمه؟! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا ، فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب هذا المسخ.
فقيل : يا ابن رسول الله ، فإنا قد سمعنا مثل (٢٧) هذا الحديث ، فقال لنا بعض النصاب : فإن كان قتل الحسين باطلا ، فهو أعظم من صيد السمك في السبت ، أفما كان يغضب الله على قاتليه كما غضب على صيادي السمك؟! قال علي بن الحسين عليهالسلام : قل لهؤلاء النصاب : فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه ، فأهلك الله من شاء منهم كقوم نوح وقوم فرعون ، فلم لم يهلك إبليس لعنه الله ، وهو أولى بالهلاك؟ فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس لعنه الله في عمل الموبقات ، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات؟ ألا كان ربنا عز وجل حكيما وتدبيره حكمة (٢٨) فيمن أهلك وفيمن استبقى ، وكذلك هؤلاء الصائدون في السبت ، وهؤلاء القاتلون للحسين عليهالسلام ، يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة ، (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢٩).
ثم قال علي بن الحسين عليهالسلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت ، لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم ، سألوا ربهم بجاه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم ، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عز وجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم ، ولكن الله عز وجل لم يلهمهم ذلك ، ولم يوفقهم له ، فجرت معلومات الله تعالى فيه على ما كانت مسطرة في اللوح المحفوظ.
وقال الباقر عليهالسلام : فلما حدث علي بن الحسين عليهماالسلام بهذا الحديث ، قال له بعض من في مجلسه : يا ابن رسول الله ، كيف يعاقب الله ويوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم ، وهو يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣٠)؟! فقال زين العابدين عليهالسلام : إن القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب العرب فيه ـ أهل اللسان ـ بلغتهم ، يقول
__________________
(٢٥) في المصدر : برأسه بلا أو نعم.
(٢٦) في «س» : أشباحها.
(٢٧) في المصدر : منك.
(٢٨) في المصدر : بتدبيره وحكمه.
(٢٩) الأنبياء ٢١ : ٢٣.
(٣٠) الأنعام ٦ : ١٦٤.