والغدران ، فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها ، فرامت الرجوع فلم تقدر ، وبقيت ليلها (١٤) في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه ، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ، فكانوا يأخذونها يوم الأحد ، ويقولون : ما اصطدنا يوم السبت ، وإنما اصطدنا في الأحد ، وكذب أعداء الله ، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك ما لهم وثراؤهم ، وتنعموا بالنساء وغيرها لا تساع أيديهم (١٥).
وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا ، وأنكر عليهم الباقون ، كما قص الله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) (١٦) الآية ؛ وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب (١٧) الله خوفوهم ، ومن انتقامه وشديد بأسه حذروهم ، فأجابوهم عن وعظهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام (١٨) : (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً).
أجابوا القائلين هذا لهم : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) إذ كلفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم ، وكراهتنا لفعلهم ، قالوا : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٩) ونعظهم أيضا لعله تنجع (٢٠) فيهم المواعظ ، فيتقون هذه الموبقة ، ويحذرون عقوبتها.
قال الله عز وجل : (فَلَمَّا عَتَوْا) حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٢١) مبعدين عن الخير ، مقصين (٢٢).
قال : فلما نظر العشرة آلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ، ولا يحفلون (٢٣) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم ، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم ، وقالوا : نكره أن ينزل بهم عذاب الله ، ونحن في خلالهم ؛ فأمسوا ليلة ، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة ، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ، ولا يدخل أحد.
وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم ، وتسنموا (٢٤) حيطان البلد ، فاطلعوا عليهم ، فإذا كلهم رجالهم ونساؤهم قردة ، يموج بعضهم في بعض ، يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ، يقول المطلع
__________________
(١٤) في المصدر : وأبقيت ليلتها.
(١٥) في المصدر زيادة : به.
(١٦) الأعراف ٧ : ١٦٣.
(١٧) في «س» : وعذاب.
(١٨) الاصطلام : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».
(١٩) الأعراف ٧ : ١٦٦.
(٢٠) نجع فيه الخطاب والوعظ والدواء : أي دخل وأثر. «الصحاح ـ نجع ـ ٣ : ١٢٨٨».
(٢١) الأعراف ٧ : ١٦٦.
(٢٢) المقصى : المبعد. «الصحاح ـ قصا ـ ٦ لا ٢٤٦٢».
(٢٣) لا يحفل : لا يبالي. «الصحاح ـ حفل ـ ٤ : ١٦٧١».
(٢٤) تسنّمه : علاه. «الصحاح ـ سنم ـ ٥ : ١٩٥٥».