قال الله عز وجل : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) يعني تولى أسلافكم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) عن القيام به ، والوفاء بما عاهدوا عليه (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) يعني على أسلافكم ، لو لا فضل الله عليهم بإمهاله إياهم للتوبة ، وإنظارهم لمحو الخطيئة بالإنابة (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المغبونين ، قد خسرتم الآخرة والدنيا ، لأن الآخرة فسدت عليكم بكفركم ، والدنيا كان لا يحصل لكم نعيمها لاخترامنا (٦) لكم ، وتبقى عليكم حسرات نفوسكم وأمانيكم التي اقتطعتم دونها ، ولكنا أمهلناكم للتوبة ، وأنظرناكم للإنابة ، أي فعلنا ذلك بأسلافكم ، فتاب من تاب منهم ، فسعد ، وخرج من صلبه من قدر أن تخرج منه الذرية الطيبة التي تطيب في الدنيا بالله معيشتها ، وتشرف في الآخرة بطاعة الله مرتبتها.
قال الحسين بن علي عليهماالسلام : أما إنهم لو كانوا دعوا الله بمحمد وآله الطيبين بصدق من نياتهم ، وصحة اعتقادهم من قلوبهم ، أن يعصمهم حتى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات ، لفعل ذلك بجوده وكرمه ، ولكنهم قصروا وآثروا الهوى بنا ، ومضوا مع الهوى في طلب لذاتهم.
قال الله عز وجل : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) لما اصطادوا السمك (٧) فيه (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) مبعدين عن كل خير (فَجَعَلْناها) أي جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم ولعناهم بها (نَكالاً) عقابا وردعا (لِما بَيْنَ يَدَيْها) بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات (٨) التي استحقوا بها العقوبات (وَما خَلْفَها) للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ما حل بهم من عقابنا (٩) (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) يتعظون بها ، فيفارقون المحرمات (١٠) ويعظون بها الناس ، ويحذرونهم المؤذيات (١١).
قال علي بن الحسين عليهالسلام : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ البحر ، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها إلى أنفسهم ما حرم الله ، فخدوا أخاديد ، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض ، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع منها إلى اللجج (١٢).
فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها ، فدخلت الأخاديد وحصلت (١٣) في الحياض
__________________
(٦) اخترمهم الدهر : أي اقتطعهم واستأصلهم. «الصحاح ـ خرم ـ ٥ : ١٩١٠».
(٧) في المصدر : السموك ، والسموك : جمع سمك ، واحدتها سمكة. «الصحاح ـ سمك ـ ٤ : ١٥٩٢».
(٨) موبقات الذنوب : أي مهلكاتها. «مجمع البحرين ـ وبق ـ ٥ : ٢٤٣».
(٩) في «س» و «ط» : عقابها.
(١٠) في المصدر : المخزيات.
(١١) في المصدر : المرديات.
(١٢) اللّجج : جمع لجّة! ولجّة الماء : معظمه. «الصحاح ـ لجج ـ ١ : ٣٣٨».
(١٣) حصّلت : تجمّعت وثبتت. «القاموس المحيط ـ حصل ـ ٣ : ٣٦٨».