حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة ، وغمر (٢٣) ما حوله من أنواع المنثور (٢٤) ، بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة؟
قال الجبل : بلى ، أشهد لك ـ يا محمد ـ بذلك ، وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قرودا وخنازير لفعل ، أو يجعلهم ملائكة لفعل ، وأن يقلب النيران جليدا ، والجليد نيرانا (٢٥) لفعل ، أو يهبط السماء إلى الأرض ، أو يرفع الأرض إلى السماء لفعل ، أو يصير (٢٦) أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل ، وأنه قد جعل الأرض والسماء طوعك ، والجبال والبحار تنصرف بأمرك ، وسائر ما خلق الله من الرياح والصواعق ، وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة ، وما أمرتها به من شيء ائتمرت.
فقال اليهود : يا محمد : علينا (٢٧) تلبس وتشبه؟ قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور على هذا الجبل ، فهم ينطقون بهذا الكلام ، ونحن لا ندري أنسمع من الرجل أم من الجبل؟ لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح (٢٨) في عقولهم ، فإن كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار ، ومر هذا الجبل أن ينقلع (٢٩) من أصله ، فيسير إليك إلى هناك ، فإذا حضرك ـ ونحن نشاهده ـ فمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا ، وتنخفض العليا تحت السفلى ، فإذا أصل الجبل قلته (٣٠) ، وقلته أصله ، لنعلم أنه من الله ، لا يتفق بمواطأة ولا بمعاونة مموهين متمردين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال ـ : يا أيها الحجر ، تدحرج ؛ فتدحرج.
ثم قال لمخاطبه : خذه وقربه من أذنك ، فسيعيد عليك ما سمعته ، فإنه جزء من ذلك الجبل ؛ فأخذه الرجل ، فأدناه إلى أذنه ، فنطق (٣١) الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما ذكر عن قلوب اليهود ، وفيما أخبر به من أن نفاقهم في دفع أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم باطل ، ووبال عليهم.
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك ، ويوهمك أنه يكلمك ، قال : لا ، فآتني بما اقترحت في الجبل.
فتباعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى فضاء واسع ، ثم نادى الجبل : يا أيها الجبل ، بحق محمد وآله الطيبين ،
__________________
(٢٣) في «س» : وعمّ.
(٢٤) في «ط» نسخة بدل : الميثور.
(٢٥) في «س» : النار.
(٢٦) في «س» : تصير.
(٢٧) في المصدر : أعلينا.
(٢٨) تبحبحت في الدار : إذا توسطتها وتمكّنت منها ، والتّبحبح : التمكّن في الحلول والمقام ، والظاهر أنّ المراد هنا : تتمكن من عقولهم ، وتسيطر عليها. «لسان العرب ـ بحح ـ ٢ : ٤٠٧».
(٢٩) في «س» : ينقطع.
(٣٠) القلّة : أعلى الجبل. «الصحاح ـ قلل ـ ٥ : ١٨٠٤».
(٣١) في المصدر زيادة : به.