تسألون.
فقالوا له : يا محمد ، زعمت أنه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ، ومعاونة الضعفاء ، والنفقة في إبطال الباطل ، وإظهار الحق ، وأن الأحجار ألين من قلوبنا ، وأطوع لله منا ، وهذه الجبال بحضرتنا ، فهلم بنا إلى بعضها ، فاستشهدها على تصديقك وتكذيبنا ، فإن نطق بتصديقك فأنت المحق ، يلزمنا اتباعك ، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك (١) ، فاعلم بأنك المبطل في دعواك ، المعاند لهواك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعم ، هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده ليشهد لي عليكم ؛ فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه (٢) ، فقالوا : يا محمد ، هذا الجبل فاستشهده.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للجبل : إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة ، بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير ، لا يعرف عددهم غير الله عز وجل ، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم ، وغفر خطيئته ، وأعاده إلى مرتبته ، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مكانا عليا ، لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم ، وفي (٣) جحدهم لقول محمد رسول الله.
فتحرك الجبل وتزلزل ، وفاض منه الماء ، ونادى : يا محمد ، أشهد أنك رسول الله رب العالمين ، وسيد الخلق أجمعين ، وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت : أقسى من الحجارة ، لا يخرج منها خير ، كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا (٤) أو تفجرا (٥) ، وأشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك (٦) من الفرية على رب العالمين.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : وأسألك ـ أيها الجبل ـ أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم ، وبرد النار على إبراهيم عليهالسلام وجعلها عليه بردا وسلاما ، ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير ، لم ير ذلك (٧) الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين ، وأنبت
__________________
= توعد به. «مجمع الأمثال ١ : ٣٩٨».
(١) في «س» : جوابا.
(٢) في «س» ، «ط» : رآه.
(٣) (في) ليس في المصدر.
(٤) في «ط» نسخة بدل : سبيلا.
(٥) في المصدر : أو تفجيرا.
(٦) في المصدر : يقرفونك. يقال : هو يقرف بكذا : يرمى به ويتّهم. «الصحاح ـ قرف ـ ٤ : ١٤١٥».
(٧) في «س» : تلك.