فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك للملائكة ، ثم قال : يا ملائكة ربي ، اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف ، واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك.
ثم قال : معاشر المسلمين ، فأملوا أكمامكم وما فيها ، وأخرجوه وأقرءوه ؛ فتأملوها فإذا في كم (٣١) كل واحد منهم صحيفة ، قرأها ، وإذا فيها ذكر ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك سواء ، لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتقدم ولا يتأخر.
فقال : أعيدوها في أكمامكم تكن حجة عليكم ، وشرفا للمؤمنين منكم ، وحجة على أعدائكم (٣٢) ؛ فكانت معهم ، فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر ، ووجدوها كما قال لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتقدم ولا تتأخر ، قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة فيها ، لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتقدم ولا تتأخر ، فقبل المسلمون ظاهرهم ، ووكلوا باطنهم إلى خالقهم.
فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض ، قال : أي شيء صنعتم؟ أخبرتموهم (بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) من الدلالات على صدق نبوة محمد ، وإمامة أخيه علي (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموه ، فلم تؤمنوا به ولم تطيعوه ، وقدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له عليهم حجة في غيرها.
ثم قال عز وجل : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن هذا الذي تخبرونهم به مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حجة عليكم عند ربكم؟! قال الله تعالى : (أَوَلا يَعْلَمُونَ) ـ يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لإخوانهم : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ـ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من عداوة محمد ويضمرونه من أن إظهارهم الإيمان به أمكن لهم من اصطلامه ، وإبادة (٣٣) أصحابه (وَما يُعْلِنُونَ) من الإيمان ظاهرا ليؤنسوهم ، ويقفوا به على أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرهم (٣٤) ، وإن الله لما علم ذلك دبر لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم تمام أمره ، وبلوغ غاية ما أراده ببعثه ، وإنه يتم أمره ، وإن نفاقهم وكيدهم لا يضره».
٥١٥ / ٢ ـ قال أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) : روي عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنه قال : «كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين ، إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنهاهم كبراؤهم عن ذلك ، وقالوا : لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد فيحاجوكم به عند ربكم ، فنزلت الآية».
__________________
(٣١) الكم : الردن. «مجمع البحرين ـ كمم ـ ٦ : ١٥٩».
(٣٢) في المصدر : على الكافرين.
(٣٣) في المصدر : وإبارة ، أباره الله : أهلكه. «مجمع البحرين ـ بور ـ ٣ : ٢٣١».
(٣٤) في «س» ، «ط» : نصرهم.
٢ ـ مجمع البيان ١ : ٢٨٦.