أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان ـ وذكر عددا من قريش ـ في قليب بدر (٢٧) مقتلين ، أقتل منكم سبعين ، وآسر منكم سبعين ، أحملهم على الفداء الثقيل.
ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود والنصارى وسائر الأخلاط : ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء؟ هلموا إلى بدر ، فإن هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتغير ولا تتقدم ، ولا تتأخر لحظة ، ولا قليلا ولا كثيرا ؛ فلم يخف ذلك على أحد منهم ولم يجبه إلا علي بن أبي طالب عليهالسلام وحده ، وقال : نعم ، بسم الله ؛ فقال الباقون : نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ، فلا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لسائر اليهود : فأنتم ، ماذا تقولون؟ قالوا : نحن نريد أن نستقر في بيوتنا ، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا نصب عليكم في المسير (٢٨) إلى هناك ، اخطوا خطوة واحدة فإن الله يطوي الأرض لكم ، ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك ؛ فقال المؤمنون : صدق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلنتشرف (٢٩) بهذه الآية ، وقال الكافرون والمنافقون : سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمد ، وتصير دعواه حجة عليه ، وفاضحة له في كذبه».
قال : «فخطا القوم خطوة ، ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر فعجبوا من ذلك ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : اجعلوا البئر العلامة ، واذرعوا من عندها كذا ذراعا ؛ فذرعوا ، فلما انتهوا إلى آخرها ، قال : هذا مصرع أبي جهل ، يجرحه فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبدالله بن مسعود أضعف أصحابي.
ثم قال : اذرعوا من البئر من جانب آخر ، ثم جانب آخر ، كذا وكذا ذراعا ، وذكر أعداد الأذرع مختلفة ، فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : هذا مصرع عتبة ، وذاك مصرع شيبة ، وذاك مصرع الوليد ، وسيقتل فلان وفلان ـ إلى أن سمى تمام سبعين منهم بأسمائهم ـ وسيؤسر فلان وفلان ؛ إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم ، ونسب المنسوبين إلى الآباء منهم ، ونسب الموالي منهم إلى مواليهم.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أوقفتم على ما أخبرتكم به قالوا : بلى ؛ قال : وإن ذلك لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما ، في اليوم التاسع والعشرين ، وعدا من الله مفعولا ، وقضاء حتما لازما.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا معشر المسلمين واليهود ، اكتبوا ما (٣٠) سمعتم ؛ فقالوا : يا رسول الله ، قد سمعنا ووعينا ولا ننسى.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الكتابة أفضل وأذكر لكم ؛ فقالوا : يا رسول الله ، وأين الدواة والكتف؟
__________________
(٢٧) القليب : البئر ، وبدر : ماء مشهور بين مكّة والمدينة أسفل وادي الصفراء. «معجم البلدان ١ : ٣٥٧».
(٢٨) في «س» : في المصير.
(٢٩) في «س» : فلنشرف.
(٣٠) في المصدر : بما.