والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والأبصار ، وتنجلي (١٦) به الهموم والغموم والأفكار ، وهم يعلمون أنه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم ، على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها ، وتهدل (١٧) ثمارها ، واطراد أنهارها ، وغضارة رياحينها ، وحسن نباتها.
ومحمد هو الذي لما جاءه رسول أبي جهل (١٨) يتهدده ويقول : يا محمد ، إن الخيوط (١٩) التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنها لا تزال بك حتى تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك ، إلى أن تفسدها على أهلها ، وتصليهم حر نار تعديك طورك ، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور (٢٠) عليك قريش ثورة رجل واحد بقصد آثارك ، ودفع ضررك وبلائك ، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك ومبغض لك ، فيلجئه إلى مساعدتك ومضافرتك خوفه لأن يهلك بهلاكك ، وتعطب (٢١) عياله بعطبك ، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك ، وبفقر شيعتك (٢٢) ، أو يعتقدون (٢٣) أن أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك ، واصطلموهم باصطلامهم لك ، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ، كما يأتون على أموالك وعيالك ، وقد أعذر من أنذر (٢٤) ، وبالغ من أوضح.
أديت هذه الرسالة إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو بظاهر المدينة ، بحضرة كافة أصحابه ، وعامة الكفار من يهود بني إسرائيل ، وهكذا أمر الرسول ، ليجنبوا المؤمنين ، ويغروا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للرسول : قد أطريت (٢٥) مقالتك ، واستكملت رسالتك؟ قال : بلى.
قال : فاسمع الجواب : إن أبا جهل بالمكاره والعطب يهددني ، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني ، وخبر الله أصدق ، والقبول من الله أحق ، لن يضر محمدا من خذله ، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ، ويتفضل بجوده وكرمه عليه ، قل له : يا أبا جهل ، إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك (٢٦) الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن ، إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعة وعشرين يوما ، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى
__________________
(١٦) في «س» : وتتجلّى.
(١٧) تهدّلت أغصان الشجرة : تدلّت. «مجمع البحرين ـ هدل ـ ٥ : ٤٩٧».
(١٨) في «ط» نسخة بدل : أبي لهب.
(١٩) في المصدر : الخبوط.
(٢٠) في «س» : إلاّ وستثور.
(٢١) العطب : الهلاك. «الصحاح ـ عطب ـ ١ : ١٨٤».
(٢٢) في المصدر : متبعيك.
(٢٣) في المصدر : إذ يعتقدون.
(٢٤) أعذر من أنذر. مثل معناه : من حذرك ما يحلّ بك فقد أعذر إليك ، أي صار معذورا عندك. «مجمع الأمثال ٢ : ٢٩».
(٢٥) في «س» : أطردت ، وفي «ط» نسخة بدل : أطويت.
(٢٦) الخلد : البال يقال : وقع ذلك في خلدي : أي في روعي وقلبي. «الصحاح ـ خلد ـ ٢ : ٤٦٩».