اليهود الذين نافقوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه القصة (٦) ، فإنهم قالوا لبني إسرائيل : إن الله تعالى قال لنا هذا ، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا ، وأتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه ، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه وتواقعوه ، وهم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون.
ثم أظهر الله على نفاقهم الآخر مع جهلهم ، فقال الله عز وجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذرّ وعمارا ، قالوا : آمنا كإيمانكم ، آمنا (٧) بنبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مقرونة (٨) بالإيمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب ، وبأنه أخوه الهادي ، ووزيره الموالي ، وخليفته على أمته ، ومنجز عدته ، والوافي بذمته ، والناهض بأعباء سياسته ، وقيم الخلق ، الذائد لهم عن سخط الرحمن ، الموجب لهم ـ إن أطاعوه ـ رضا الرحمن ، وأن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة ، والأقمار المنيرة ، والشمس المضيئة الباهرة ، وأن أولياءهم أولياء الله ، وأن أعداءهم أعداء الله.
ويقول بعضهم : نشهد أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم صاحب المعجزات ، ومقيم الدلالات الواضحات ، هو الذي لما تواطأت قريش على قتله ، وطلبوه فقدا لروحه ، يبس الله أيديهم فلم تعمل ، وأرجلهم فلن تنهض ، حتى رجعوا عنه خائبين (٩) مغلوبين ، ولو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين ، وهو الذي لما جاءته قريش ، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه ، وشهد له بنبوته ، ولعلي أخيه بإمامته ، ولأوليائه من بعده بوراثته ، والقيام بسياسته وإمامته. وهو الذي لما ألجأته قريش إلى الشعب (١٠) ، ووكلوا ببابه من يمنع من إيصال قوت ، ومن خروج أحد عنه ، خوفا أن يطلب لهم قوتا ، غذا هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى ، وكل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الأطعمات الطيبات ، ومن أصناف الحلاوات ، وكساهم أحسن الكسوات.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أظهرهم إذ يراهم (١١) وقد ضاقت لضيق فجهم (١٢) صدورهم ، قال بيده (١٣) هكذا بيمناه إلى الجبال ، وهكذا بيسراه إلى الجبال ، وقال لها : اندفعي ؛ فتندفع وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا ترى أطرافها ، ثم يقول بيده هكذا ، ويقول : أطلعي ـ يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره ـ ما أودعكها (١٤) الله من الأشجار والأثمار والأنهار وأنواع الزهر والنبات ، فتطلع (١٥) الأشجار الباسقة ، والرياحين المونقة
__________________
(٦) في المصدر : القضية.
(٧) في «ط» : إيمانا.
(٨) في «ط» : مقرونا.
(٩) في «ط» نسخة بدل : خاسئين.
(١٠) الشعب : الطريق في الجبل ، أو ما انفرج بين جبلين ، والمقصود هنا شعب أبي يوسف بمكّة.
(١١) في المصدر : إذ رآهم.
(١٢) الفجّ : الطريق الواسع بين الجبلين. «الصحاح ـ فجج ـ ١ : ٣٣٣».
(١٣) قال بيده : أشار بها. وفي «ط» نسخة بدل : شال.
(١٤) في المصدر : أودعكموها.
(١٥) في المصدر زيادة من.