آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ
بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [٧٦]
أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [٧٧]
٤١٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليهالسلام : «فلما بهر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هؤلاء اليهود بمعجزته ، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته ، لم يمكنهم مراجعته (١) في حجته ، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته ، قالوا : يا محمد ، قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي ، وأن عليا أخاك هو الوصي والولي.
وكانوا إذا خلوا (٢) باليهود الآخرين يقولون لهم : إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا على دفع (٣) مكروهه ، وأعون لنا على اصطلامه (٤) واصطلام أصحابه ، لأنهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم ، ولا يكتموننا شيئا ، فنطلع عليهم أعداءهم ، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا ، في أوقات اشتغالهم واضطرابهم ، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الأعداء عليهم.
وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته ، ويعاينونه من معجزاته ، فأظهر الله تعالى محمدا رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم على سوء اعتقادهم ، وقبح دخائلهم (٥) ، وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وواضح بيناته ، وباهر معجزاته.
فقال عز وجل : يا محمد (أَفَتَطْمَعُونَ) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) هؤلاء اليهود الذي هم بحجج الله قد بهرتموهم ، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ويصدقوكم بقلوبهم ، ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.
(وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) في أصل جبل طور سيناء ، وأوامره ونواهيه (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) عما سمعوه ، إذا أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم في قيلهم كاذبون.
وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل ، فسمعوا كلام الله ، ووقفوا على أوامره ونواهيه ، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم ؛ فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم ، وصدقوا في نياتهم ، وأما أسلاف هؤلاء
__________________
سورة بقرة آية ـ ٧٥ ـ ٧٧ ـ
١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٩١ / ١٤٢.
(١) راجعه الكلام مراجعة : حاوره إيّاه. «لسان العرب ـ رجع ـ ٨ : ١١٦».
(٢) في «س» ، «ط» : دخلوا.
(٣) في «س» والمصدر : أمكن لنا من.
(٤) الاصطلام : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».
(٥) في المصدر : وقبح أخلاقهم ودخلاتهم.