نصير بعد في النعمة في الجنان ، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا ، فإنها تفنى وتنقضي ، ونكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ، ولذات نعم الدنيا ، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد ، فإنه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى.
فقال الله عز وجل : (قُلْ) يا محمد : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أن عذابكم على كفركم بمحمد ودفعكم لآياته في نفسه ، وفي علي وسائر خلفائه وأوليائه ، منقطع غير دائم؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له ، فلا تجترئوا على الآثام والقبائح من الكفر بالله وبرسوله وبوليه المنصوب بعده على أمته ، ليسوسهم ويرعاهم بسياسة الوالد الشفيق الرحيم الكريم لولده ، ورعاية الحدب (٤) المشفق على خاصته.
(فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) فكذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز (٥) (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أتخذتم عهدا ، أم تقولون؟ بل أنتم ـ في أيهما ادعيتم ـ كاذبون».
ثم قال الله عز وجل (٦) : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)».
قال الإمام عليهالسلام : «السيئة المحيطة به هي التي تخرجه عن جملة دين الله ، وتنزعه عن ولاية الله ، وترميه في سخط الله ، وهي الشرك بالله ، والكفر به ، والكفر بنبوة محمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والكفر بولاية علي بن أبي طالب عليهالسلام ، كل واحدة من هذه سيئة تحيط به ، أي تحيط بأعماله (٧) فتبطلها وتمحقها (فَأُولئِكَ) عاملو هذه السيئة المحيطة (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن ولاية علي حسنة لا يضر معها شيء (٨) من السيئات وإن جلت ، إلا ما يصيب أهلها من التطهير منها بمحن الدنيا ، وببعض العذاب في الآخرة إلى أن ينجو منها بشفاعة مواليه الطيبين الطاهرين ، وإن ولاية أضداد علي ومخالفة علي عليهالسلام سيئة لا ينفع معها شيء إلا ما ينفعهم لطاعتهم في الدنيا بالنعم والصحة والسعة ، فيردون الآخرة ولا يكون لهم إلا دائم العذاب.
ثم قال : إن من جحد ولاية علي لا يرى الجنة بعينه أبدا إلا ما يراه بما يعرف به أنه لو كان يواليه لكان ذلك محله ومأواه ومنزله ، فيزداد حسرات وندامات ، وإن من توالى عليا ، وبرىء من أعدائه ، وسلم لأوليائه ، لا يرى النار بعينه أبدا إلا ما يراه ، فيقال له : لو كنت على غير هذا لكان ذلك مأواك ؛ وإلا ما يباشره منها إن كان مسرفا على نفسه بما دون الكفر إلا (٩) أن ينظف بجهنم ، كما ينظف درنه (١٠) بالحمام الحامي ، ثم ينقل (١١) عنها بشفاعة مواليه».
__________________
(٤) حدب فلان على فلان ، فهو حدب : تعطف ، وحنا عليه. «لسان العرب ـ حدب ـ ١ : ٣٠١». وفي «ط» نسخة بدل : الجدّ.
(٥) في «س» ، «ط» : حذر.
(٦) في المصدر زيادة : ردا عليهم.
(٧) في «س» : تحبط أعماله.
(٨) في «ط» نسخة بدل : سيئة.
(٩) في المصدر : إلى.