(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بذلك الميثاق ، كما أقر به أسلافكم ، والتزمتموه كما التزموه (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) بذلك على أسلافكم وأنفسكم (ثُمَّ أَنْتُمْ) معاشر اليهود (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) يقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) غصبا وقهرا (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) يظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم ، وقتل من تقتلونه منهم بغير حق (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون.
(وَإِنْ يَأْتُوكُمْ) يعني هؤلاء الذين تخرجونهم ، أي ترومون إخراجهم وقتلهم ظلما ، إن يأتوكم (أُسارى) قد أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم (تُفادُوهُمْ) من الأعداء بأموالكم (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) أعاد قوله عز وجل : (إِخْراجُهُمْ) ولم يقتصر على أن يقول : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ) لأنه لو قال ذلك لرأى أن المحرم إنما هو مفاداتهم.
ثم قال عز وجل : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) وهو الذي أوجب عليكم المفاداة (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) وهو الذي حرم قتلهم وإخراجهم ، فقال : فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والإخراج من الديار كما فرض فداء الأسراء ، فما بالكم تطيعون في بعض ، وتعصون في بعض ، كأنكم ببعض كافرون ، وببعض مؤمنون؟! ثم قال عز وجل : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) يا معشر اليهود (إِلاَّ خِزْيٌ) ذل (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) جزية تضرب عليه ، ويذل بها (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) إلى جنس أشد العذاب ، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يعمل هؤلاء اليهود.
ثم وصفهم فقال عز وجل : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) رضوا بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لا ينصرهم أحد يرفع عنهم العذاب.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لما نزلت هذه الآية في اليهود ، هؤلاء اليهود [الذين] نقضوا عهد الله ، وكذبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله ـ : أفلا أنبئكم بمن يضاهئهم من يهود هذه الأمة؟ قالوا : بلى يا رسول الله.
قال : قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي ، يقتلون أفاضل ذريتي ، وأطايب أرومتي (١) ، ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى.
ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم ، يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم.
ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم ، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم.
ألا وصلى الله على الباكين على الحسين بن علي رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا.
ألا وإن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته.
__________________
(١) الأرومة : أصل الشجرة واستعملت للحسب يقال : هو طيّب الأرومة. «المعجم الوسيط ـ آرم ـ ١ : ١٥».