بالتوراة ، أي ليست التوراة الآمرة (٢) بقتل الأنبياء ، فإذا كنتم (تَقْتُلُونَ) الأنبياء ، فما آمنتم بما أنزل عليكم من التوراة ، لأن فيها تحريم قتل الأنبياء ، كذلك إذا لم تؤمنوا بمحمد ، وبما أنزل عليه وهو القرآن ، وفيه الأمر بالإيمان به ، فأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أخبر الله تعالى أن من لا يؤمن بالقرآن ، فما آمن بالتوراة ، لأن الله تعالى أخذ عليهم الإيمان بهما ، لا يقبل الإيمان بأحدهما إلا مع الإيمان بالآخر. فكذلك فرض الله الإيمان بولاية علي بن أبي طالب (٣) كما فرض الإيمان بمحمد ، فمن قال : آمنت بنبوة محمد وكفرت بولاية علي بن أبي طالب ، فما آمن بنبوة محمد.
إن الله تعالى إذا بعث الخلائق يوم القيامة ، نادى منادي ربنا نداء تعريف الخلائق في إيمانهم وكفرهم ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ؛ ومناد آخر ينادي : معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة ؛ فأما الدهرية (٤) والمعطلة فيخرسون عن ذلك ، ولا تنطق (٥) ألسنتهم ، ويقولها سائر الناس من الخلائق ، فيمتاز الدهرية والمعطلة من سائر الناس بالخرس.
ثم يقول المنادي : أشهد أن لا إله إلا الله ؛ فيقول الخلائق كلهم ذلك ، إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس والنصارى وعبدة الأوثان ، فإنهم يخرسون فيتبينون بذلك من سائر الخلائق.
ثم يقول المنادي : اشهد أن محمدا رسول الله ؛ فيقولها المسلمون أجمعون ، وتخرس عنها اليهود والنصارى وسائر المشركين.
ثم ينادي مناد آخر من عرصات القيامة : ألا فسوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : لا ، بل (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٦).
يقول الملائكة ـ الذين قالوا : سوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة : لماذا يوقفون ، يا ربنا؟
فإذا النداء من قبل الله تعالى : قفوهم إنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب وآل محمد ـ يا عبادي وإمائي ـ إني أمرتهم مع الشهادة بمحمد بشهادة أخرى ، فإن جاءوا بها يعطوا (٧) ثوابهم ، وأكرموا مآبهم ، وإن لم يأتوا بها ، لم تنفعهم الشهادة لمحمد بالنبوة ولا لي بالربوبية ، فمن جاء بها فهو من الفائزين ، ومن لم يأت بها فهو من الهالكين».
__________________
(٢) في المصدر : أي ليس في التوراة الأمر.
(٣) في «ط» نسخة بدل : بولاية أمير المؤمنين.
(٤) الدهريّة : وهم القائلون بقدم العالم وقدم الدهر ، وتدبيره للعالم وتأثيره فيه ، وإنّه ما أبلى الدهر من شيء إلاّ أحدث شيئا آخر. وكلّهم متّفقون على نفي الربوبية عن الله الجليل الخالق ، تبارك وتعالى عمّا يصفون علوّا كبيرا. «المقالات والفرق : ١٩٤».
(٥) في المصدر : ولا تنطلق.
(٦) الصّافات ٣٧ : ٢٤.
(٧) في المصدر : فعظّموا.