أنه لا يصيبني ، ليتبين لهؤلاء الضعفاء الذين قد اغتروا بك أن زواله عن ابني لم يكن بدعائه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا يهودي ، اتق الله ، وتهنأ بعافية الله إياك ، ولا تتعرض للبلاء ولما لا تطيقه ، وقابل النعمة بالشكر ، فإن من كفرها سلبها ، ومن شكرها امترى (٨) مزيدها.
فقال اليهودي : من شكر نعم الله تكذيب عدو الله المفتري عليه ، وإنما أريد بهذا أن أعرف ولدي أنه ليس مما قلت له وأدعيته قليل ولا كثير ، وأن الذي أصابه من خير لم يكن بدعاء علي صاحبك. فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال : يا يهودي ، هبك قلت أن عافية ابنك لم تكن بدعاء علي ، وإنما صادف دعاؤه وقت مجيء عافيته ، أرأيت لو دعا عليك علي بهذا البلاء الذي اقترحته فأصابك ، أتقول : إن ما أصابني لم يكن بدعائه ، ولكن لأنه صادف دعاؤه وقت بلائي؟
فقال : لا أقول هذا ، لأن هذا احتجاج مني على عدو الله في دين الله ، واحتجاج منه علي ، والله أحكم من أن يجيب إلى مثل هذا ؛ فيكون قد فتن عباده ، ودعاهم إلى تصديق الكاذبين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فهذا في دعاء علي لابنك كهو في دعائه عليك ، لا يفعل الله تعالى ما يلبس به على عباده دينه ، ويصدق به الكاذب عليه.
فتحير اليهودي لما أبطلت عليه (٩) شبهته ، وقال : يا محمد ، ليفعل علي هذا بي إن كنت صادقا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : يا أبا الحسن ، قد أبى الكافر إلا عتوا وطغيانا وتمردا ، فادع عليه بما اقترح ، وقل : اللهم ابتله ببلاء ابنه من قبل. فقالها ، فأصاب اليهودي داء ذلك الغلام ، مثل ما كان فيه الغلام من الجذام والبرص ، واستولى عليه الألم والبلاء ، وجعل يصرخ ويستغيث ، ويقول : يا محمد ، قد عرفت صدقك فأقلني (١٠).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو علم الله تعالى صدقك لنجاك ، ولكنه عالم بأنك لا تخرج عن هذا الحال إلا ازددت كفرا ، ولو علم أنه إن نجاك آمنت به لجاد عليك بالنجاة ، فإنه الجواد الكريم».
ثم قال : «فبقي اليهودي في ذلك الداء والبرص أربعين سنة آية للناظرين ، وعبرة للمعتبرين (١١) ، وعلامة وحجة بينة لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم باقية في الغابرين ، وبقي ابنه كذلك معافى صحيح الأعضاء والجوارح ثمانين سنة عبرة للمعتبرين ، وترغيبا للكافرين في الإيمان ، وتزهيدا لهم في الكفر والعصيان.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين حل ذلك البلاء باليهودي بعد زوال البلاء عن ابنه : عباد الله ، إياكم والكفر بنعم الله ، فإنه مشؤوم على صاحبه ، ألا وتقربوا إلى الله بالطاعات يجزل لكم المثوبات ، وقصروا أعماركم في الدنيا
__________________
(٨) الريح تمري السّحاب : أي تستدرّه. «الصحاح ـ مرا ـ ٦ : ٢٤٩١».
(٩) في المصدر : لما أبطل ٦
(١٠) أقال الله فلانا عثرته : بمعنى الصفح عنه. «لسان العرب ـ قيل ـ ١١ : ٥٨٠» ، وفي «ط» نسخة بدل : فاقبلني.
(١١) في المصدر : للمتفكّرين.