محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام ، وأخذوه وأساءوا معاشرته ، وسعوا في خراب المساجد المبنية ، كانت لقوم من خيار أصحاب محمد (٢) صلىاللهعليهوآلهوسلم وشيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام ، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها ، وأذى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر أصحابه ، وألجؤوه إلى الخروج من مكة نحو المدينة ، التفت خلفه إليها ، فقال : الله يعلم أني أحبك ، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا ، ولا ابتغيت عنك بدلا ، وإني لمغتم على مفارقتك.
فأوحى الله تعالى إليه : يا محمد ، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) (٣) يعني إلى مكة ظافرا غانما ، وأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه ، فاتصل بأهل مكة ، فسخروا منه.
فقال الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سوف أظفرك (٤) بمكة ، وأجري (٥) عليهم حكمي ، وسوف أمنع من (٦) دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا ، أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل.
فلما حتم قضاء الله بفتح مكة واستوسقت (٧) له ، أمر عليهم عتاب بن أسيد (٨) ، فلما اتصل بهم خبره ، قالوا : إن محمدا لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثماني عشرة سنة ، ونحن مشايخ ذوو الأسنان ، وخدام بيت الله الحرام ، وجيران حرمه الآمن ، وخير بقعة له على وجه الأرض.
وكتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعتاب بن أسيد عهدا على [أهل] مكة ، وكتب في أوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى جيران بيت الله ، وسكان حرم الله. أما بعد» وذكر العهد وقرأه عتاب بن أسيد على أهل مكة.
ثم قال الإمام عليهالسلام بعد ذلك : «ثم بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة ، وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين ، وتحريم قرب مكة على المشركين ، وأمر أبا بكر على الحج ، ليحج بمن ضمه الموسم ، ويقرأ الآيات عليهم ، فلما صدر عنه أبو بكر جاءه المطوق بالنور جبرئيل عليهالسلام ، فقال : يا محمد ، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : يا محمد ، إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، فابعث عليا
__________________
(٢) في المصدر زيادة : وشيعته.
(٣) القصص ٢٨ : ٨٥.
(٤) في المصدر : أظهرك.
(٥) في «ط» : يظفرك الله بمكّة ويجري.
(٦) في المصدر : عن.
(٧) استوسق لك الأمر : إذا أمكنك. «لسان العرب ـ وسق ـ ١٠ : ٣٨٠».
(٨) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة ، وال أموي من الصحابة ، أسلم يوم فتح مكّة ، واستعمله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليها عند مخرجه إلى حنين في ٨ ه ، وأمّره أبو بكر ، فاستمر فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في ١٣ ه ، وقيل في ٢٣ ه. الكامل في التاريخ ٢ : ٢٦٢ ، الاصابة ٤ : ٢١١ / ٥٣٨٣ ، أعلى الزركلي ٤ : ١٩٩.