هو أم حرام؟ وكتبت تسألني عن تفسير ذلك ، وأنا أبينه لك حتى لا تكون من ذلك في عمى (١٢) ولا شبهة تدخل عليك.
وقد كتبت إليك في كتابي هذا تفسير ما سألت عنه فاحفظه الحفاظ (١٣) كله وعه ، كما قال الله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٤) وأنا أصفه لك بحله (١٥) وأنفي عنك حرامه ـ إن شاء الله ـ كما وصفت لك ، وأعرفكه حتى تعرفه ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا تنكره ، ولا قوة إلا بالله ، والقوة والعزة لله جميعا.
أخبرك أنه من كان يؤمن ويدين بهذه الصفة التي سألتني عنها فهو مشرك بالله بين الشرك ، لا يسع أحدا الشك فيه ، وأخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله ، ولم يعطوا فهم ذلك ، ولم يعرفوا حدود ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم ومقتضى (١٦) عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما أمروا ، كذبا وافتراء على الله وعلى رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذا جهلا لهم ، ولو أنهم وضعوها على حدودها التي حدت لهم وقبلوها لم يكن به بأس ، ولكن حرفوها وتعدوا الحق ، وكذبوا فيها وتهاونوا بأمر الله وطاعته.
ولكن أخبرك أن الله عز وجل حدها بحدودها لئلا يتعدى حدود الله أحد ، ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهل ما لم يعرفوا حد ما حد لهم فيه ، ولكان المقصر والمتعدي حدود الله معذورا إذا لم يعرفها ، ولكن جعلها الله حدودا محدودة لا يتعداها إلا مشرك كافر ، قال الله عز وجل : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (١٧) فأخبرك حقا يقينا أن الله تبارك وتعالى اختار لنفسه الإسلام دينا ورضيه لخلقه ، فلم يقبل من أحد عملا إلا به ، وبه بعث أنبياءه ورسله ، ثم قال : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (١٨) فعليه وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأصل الدين معرفة الرسل وولايتهم ، وأن الله عز وجل أحل حلالا وحرم حراما ؛ فجعل حلاله حلالا إلى يوم القيامة ، وجعل حرامه حراما إلى يوم القيامة.
فمعرفة الرسل وولايتهم وطاعتهم هي الحلال ، فالمحلل ما حللوا ، والمحرم ما حرموا ، وهم أصله ومنهم الفروع الحلال ، وحج البيت والعمرة ، وتعظيمهم حرمات الله وشعائره ومشاعره ، وتعظيم البيت الحرام والمسجد الحرام
__________________
(١٢) في «س» : غمّ.
(١٣) الحفاظ : المحافظة ، وهو المواظبة والذبّ عن المحارم. «القاموس المحيط ـ حفظ ـ ٢ : ٤٠٩».
(١٤) الحاقّة ٦٩ : ١٢.
(١٥) الحلّ : الحلال ، وهو ضدّ الحرام. «الصحاح ـ حلل ـ ٤ : ١٦٧٢».
(١٦) في «س» : ومنتهى.
(١٧) البقرة ٢ : ٢٢٩.
(١٨) الاسراء ١٧ : ١٠٥.