المشهور أبعد من صرف الأخبار التي أوردناها دليلا للمشهور إلى ما لا ينافي هذين الخبرين ، بحمل ما فيهما من التحديد بالزوال حدّا للصوم الكامل الذي لا منقصة فيه. كما ربّما يشهد له قوله ـ عليهالسلام ـ في صحيحة هشام بن سالم : وإن نواه بعد الزوال ، حسب له من الوقت الذي نواه (١) إذ الظاهر أنّه لم يقصد به تبعّض الصوم ، بل عدم استحقاقه الأجر إلّا بهذا المقدار.
وقد ورد هذا المضمون في صحيحة ابن سنان المتقدّمة (٢) أيضا ، مع أنّ المنساق من موردها إرادة ما قبل الزوال الذي لا شبهة في صحّته.
والحاصل : أنّ ارتكاب التأويل في تلك الأخبار : بإرجاعها إلى ما لا ينافي الخبرين الأخيرين أهون من عكسه بالنظر إلى نفس الأخبار من حيث هي.
ولكن يشكل الالتزام به بعد اعتماد المشهور على ظواهر تلك الأخبار ، وإعراضهم عن هذين الخبرين ، حتى أنّ بعضا منهم رموهما بالشذوذ ، وآخرين منهم ارتكبوا تأويلا بعيدا فيهما ؛ فرارا عن طرحهما ؛ لأنّا لو لم نقل بأنّ إعراض الأصحاب عن خبر يسقطه عن الحجّية ، فلا أقلّ من أنّه يورث وسوسة في النفس تمنعها عن تحكيمه على سائر الأدلّة المعتبرة المنافية له.
هذا ، مع أنّ ارتكاب التأويل في موثّقة عمّار : بحملها على الكراهة بالنسبة إلى ما بعد الزوال ـ كما هو محصّل الجمع المزبور ـ لا يخلو عن بعد ؛ إذ لا وقع لسؤاله ثانيا عن أنّه هل يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٣٢ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٨.
(٢) تقدّمت في صفحة ٣١١.