الإشكال في تفسير المئونة وتحديدها وتحقيق مبدأ حولها.
أمّا تفسير المئونة فقد صرّح غير واحد : بأنّ المراد بها كلّ ما ينفقه على نفسه وعلى عياله وعلى غيرهم ، للأكل والشرب واللباس والمسكن والتزويج والخادم وأثاث البيت والكتب ، وغير ذلك ممّا يعدّ مئونة عرفا ، فتعمّ مثل الهبة والصلة والصدقات والنذور ، وغيرها من الأفعال الواجبة أو المندوبة ، كزيارة المشاهد أو بناء المساجد والضيافة اللائقة بحاله ، وما يدفعه إلى الظالم للأمن من ضرره ، إلى غير ذلك من المقاصد العقلائية التي تصرف فيها الأموال لغرض ديني أو دنيوي.
وعن الغنائم أنّه قال : الظاهر أن تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المئونة كاشتراء الضيعة ، والظاهر أنّه لا يشترط التمكّن من تحصيل الربح منه بالفعل ، فيجوز صرف شيء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين ، وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام لذلك (١). انتهى.
أقول : مساعدة العرف على عدّ مثل هذه الأشياء من مئونته مشكلة ، بل لا فرق عرفا بين ادّخار عين الفائدة التي اكتسبها لأن يصرفها في المستقبل في نفقته ، أو شراء ضيعة أو دار ونحوها ، ممّا يحتاج إليه في ذلك الوقت ، أو يشتري الضيعة ونحوها في هذه السنة لأن ينتفع بثمرها ، أو يعيش بها أولاده في المستقبل ؛ إذ لا يكفي في إطلاق اسم المئونة مجرّد صرف الربح في مصرف حتى مع بقاء مقابله وعدم احتياجه إليه بالفعل ، بل هو من قبيل مبادلة مال بمال أصلح بحاله وأعظم فائدة في ما يستقبل ، فالمقابل بعينه حينئذ يندرج في ما استفاده هذه السنة ولم يصرفه
__________________
(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٣٣.