بهذا الخمس وإن قلنا بظهور الخبر المزبور في الاكتفاء به بناء على إرادة الخمس منه ؛ إذ لم تثبت إرادة هذا المعنى منه ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، والله العالم.
الصورة الثانية : ما إذا علم مقدار الحرام ولم يعرف صاحبه ، فقد صرّح غير واحد بأنّه يتصدّق به سواء كان بقدر الخمس أو أقلّ أو أكثر ، بل ربّما يظهر عدم الخلاف فيه.
واستدلّ له : بجملة من الأخبار ، كرواية عليّ بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كتّاب بني أميّة ، فقال لي : استأذن لي على أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ ؛ فاستأذنت له عليه ، فأذن له ، فلمّا أن دخل سلّم وجلس ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم ، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا أغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله ـ عليهالسلام ـ : «لو لا أنّ بني أميّة وجدوا لهم من يكتب ، ويجبي لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم لما سلبوا حقّنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا» قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال : «إن قلت لك تفعل»؟ قال : أفعل ؛ قال له : «فاخرج من جميع ما اكتسبت (١) في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به ، وأنا أضمن لك على الله عزوجل الجنّة» فأطرق الفتى طويلا ، ثمّ قال له : لقد فعلت جعلت فداك. قال ابن أبي حمزة فرجع الفتى معنا إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلّا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه ، قال :فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه بنفقة ، قال : فما أتى عليه إلّا أشهر قلائل حتى مرض ، فكنّا نعوده ، قال : فدخلت يوما وهو في السّوق ،
__________________
(١) في التهذيب وهامش النسخة والحجرية : كسبت.