إمضائيةً لا تأسيسيّة ، وأن مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ونحوهما تفيد حليّة المعاملات تكليفاً ووضعاً بنحو العام المجموعي ـ لا الاستغراقي ـ فإنّه إذا ورد النهي عن معاملةٍ ودلّ على حرمتها وسقطت حليّتها التكليفية ، لم تبق الحليّة الوضعيّة ولم تكن مورداً للإمضاء من قبل الشارع ... فالنهي عن المعاملة يفيد فسادها من جهة دلالته على عدم كونها مورداً للإمضاء (٣).
هذا ما أفاده ، ولا يخفى الفرق بين كلامه وكلام غيره.
ويرد عليه : أنّ في مدلول (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٤) ونحوه مسلكين ، فقيل : إن هذه الحليّة لمّا تعلّقت بالبيع كانت ظاهرة عرفاً في خصوص الحكم الوضعي له وهو الصحّة. وإليه ذهب جماعة. وقيل : إنّها باقية على ظهورها الأوّلي ـ وهو الجواز ـ فيكون ملائماً للحكم التكليفي والوضعي معاً.
أمّا على الأوّل ، فلا مجال لما ذكره ، لأن غاية ما يدل عليه النهي هو المبغوضية ، فإذا تعلّق بمعاملة أفاد كونها مبغوضةً ، أما الفساد فلا ، لما تقدَّم من أن النسبة بين المبغوضية والفساد هي العموم من وجه.
وأمّا على الثاني ، فإنّ دلالة الآية على الحليتين في كلّ معاملة ، إنّما هي بالإطلاق ، وهو في قوة الاستغراق ، فلو قال : «أكرم العالم» ولم يقيّد ، أفاد وجوب إكرام كلّ عالمٍ بنحو الاستغراق لا بنحو المجموع ، فإذا ورد النهي عن معاملةٍ وأفاد حرمتها رفع الحلية التكليفيّة ، أمّا الوضعيّة فهي باقية ولا دليل على زوالها.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٧٥.
(٢) سورة المائدة : الآية ١.
(٣) نهاية النهاية ١ / ٢٥٣.
(٤) سورة البقرة : الآية ٢٧٥.