والإباحة ... وأدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه.
وقد قدّم صاحب (الكفاية) (١) هذا الوجه على غيره في الذكر ، إذ قال في تقريره : إنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره ، وقد وقع ، كما في العبادات المكروهة ، كالصّلاة في مواضع التهمة وفي الحمام والصيام في السفر وفي بعض الأحكام. بيان الملازمة : إنه لو لم يكن تعدد الجهة مجدياً في إمكان اجتماعهما ، لما جاز اجتماع حكمين آخرين في موردٍ مع تعدّدهما ، لعدم اختصاصهما من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضاد ، بداهة تضادّها بأسرها. والتالي باطل ، لوقوع اجتماع الكراهة والإيجاب أو الاستحباب في مثل الصّلاة في الحمام والصيام في السفر وفي عاشوراء ولو في الحضر ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب في مثل الصّلاة في المسجد أو الدار.
وقد اجيب في (الكفاية) وغيرها عن هذا الاستدلال بالإجمال ، بوجوه :
الأول : إنه لمّا قام البرهان العقلي على امتناع شيء ، فلا بدّ من ارتكاب التأويل فيما ظاهره جواز ذلك الشيء ، ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان ، وهنا كذلك ، فإنّ البرهان قام على امتناع الاجتماع بين الضدّين ، والأحكام الخمسة متضادّة.
والثاني : إنّ اجتماع الحكمين في الموارد المذكورة كما يتوجّه على الامتناعي كذلك يتوجّه على الجوازي ، لأن القائل بجواز الاجتماع إنما يقول به حيث يكون الشيء الواحد ذا عنوانين ، أمّا ما يكون بعنوانٍ واحدٍ كالصّلاة في
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٦١.