ثم إن الشيخ الأُستاذ بعد أنْ شرح كلام المحقق الاصفهاني رحمهالله ، أشكل عليه بعد بيان امور :
أولاً : إنه ليس المقصود من التضادّ في هذه المقدّمة هو التضادّ الفلسفي ، بل المراد التضادّ الاصولي ، أي : إن اجتماع الأمر والنهي في الواحد ذي العنوانين مستحيل من جهة أنه بنفسه محالٌ ، لا من جهة أنه من باب التكليف بالمحال ، وليس البحث في أن الوجوب والحرمة هل يمكن اجتماعهما في الموجود الخارجي أو لا يمكن.
وثانياً : إن الأقوال في حقيقة الحكم مختلفة ، فقيل : الإرادة والكراهة ، مع قيد الإبراز وعدمه. وقيل : الطلب الإنشائي بالفعل أو بالترك ، أو الطلب والنهي الإنشائي ، أو البعث والزجر الإنشائي ، أو البعث والزجر الاعتباري ، وقيل : الاعتبار المبرز لثبوت الفعل في الذمّة ولحرمان المكلّف من الشيء.
ومختار المحقق الأصفهاني : إن حقيقة الحكم عبارة عن الدّاعي والزّاجر الإمكاني ، فالمولى يحكم بداعي جعل الدّاعي الإمكاني للفعل وبداعي جعل الزّاجر الإمكاني عن الفعل ، بخلاف الإنشاءات الامتحانية والتعجيزية ونحوها ، فإنّ مثل (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئينَ) (١) ليس بداعي جعل الدّاعي بل هو تعجيز.
فهو يرى إن قوله «صلّ» دعوة العبد إلى الصّلاة وتحريك له نحوها ، وقوله «لا تغصب» زاجر له عن ذلك ، وهكذا إنشاء يسمّى بالحكم ، فالصّادر من المولى هو «الإنشاء» وهو في مرحلة الإمكان ، فإن كانت نفس العبد خالية من موانع العبودية ، وصل الحكم إلى مرحلة الفعلية بالامتثال ، وإلاّ بقي في مرحلة الإمكان والقوة.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٦٥.