الثاني
توقّف الإطلاق على عدم الانصراف
قال في الكفاية :
ثم إنه قد انقدح بما عرفت ... أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف ، لظهوره فيه أو كونه متيقّناً منه ... (١).
ولا يخفى أن مرادهم عدم انعقاد الإطلاق ، لا أنّ الانصراف أو وجود القدر المتيقن ـ على القول به ـ مانعٌ عنه ، لوضوح أن مرتبة المانع متأخرة عن المقتضي ... بل مرادهم عدم تحقق الإطلاق ، فلا يشكل عليهم من هذه الجهة ، لمعلوميّة مرادهم من عباراتهم ، وإنْ كان ظاهر كلام الأُستاذ الإيراد عليهم بذلك.
وأمّا الانصراف ـ وهو عبارة عن رجوع اللّفظ من الدلالة على معنىً إلى الدلالة على معنى آخر ـ فلا يكون بلا منشأ ، وقد وقع الكلام بينهم فيه.
لقد قال المتقدّمون بالانصراف على أثر ندرة الوجود لحصّةٍ من حصص الطبيعة ، وأنّ الظهور ينعقد في الحصّة الغالبة ... إلاّ أن المتأخرين يقولون بأنّ ندرة الوجود لا تكون منشأً لانصراف اللّفظ عن النادر ، ولا غلبة الوجود تكون منشأً لانصرافه نحو الغالب ... لأنّ اللفظ صادق على النادر حقيقةً كصدقه على الغالب في الوجود ، ويحصرون الانصراف بصورة التشكيك في الصدق ، بأنْ يكون صدق اللفظ على حصّةٍ جليّاً وعلى الاخرى خفيّاً ، فيقولون بانصرافه إلى ما هو فيه جليٌّ ، ويمثّلون لذلك بعنوان «ما لا يؤكل لحمه» حيث أنّ الإنسان من مصاديقه حقيقةً ، لكنّ صدقه عليه خفي وعلى غيره مما لا يؤكل لحمه من الحيوانات جليّ ،
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٤٩.