وفيه :
إنه لا تفاوت بين الدلالتين في مقام الدلالة والموضوعية ، وكلاهما في مرتبةٍ واحدة في الكشف عن المراد الجدّي والمراد الاستعمالي.
وبعبارة اخرى : إن دلالة الكلام على المفهوم مستندةٌ إمّا إلى الوضع وامّا إلى مقدّمات الحكمة ، وكذلك دلالة العام على العموم ، فهي إمّا من جهة اللّفظ وامّا من جهة مقدّمات الحكمة ، فكلاهما في مرتبة واحدة ، فالتقديم بما ذكر بلا وجه.
واستدلّ للقول بتقدم المفهوم : بأنّ التعارض الموجود هو بين العموم والمفهوم ، وهنا مورد إعمال قواعد التعارض. هذا من جهةٍ. ومن جهةٍ اخرى : فإنّ المنطوق والمفهوم متلازمان بالتلازم العقلي أو العرفي ، وهما في هذه الملازمة متساويان ، ومع التلازم بينهما لا يعقل انفكاك أحدهما عن الآخر ، بل سقوط أحدهما يوجب سقوط الآخر.
وبعد ذلك : فإنّه مع تقدّم العموم وسقوط المفهوم ، هل يبقى المنطوق على حاله أو يسقط؟ أمّا بقاؤه بعد سقوط المفهوم ، فيستلزم الانفكاك ، وأمّا سقوطه أيضاً فيستلزم إجراء أحكام التعارض في غير مورد التعارض ، لأنّ المنطوق لم يكن طرفاً للمعارضة ، بل طرفها هو المفهوم ، فهذا المحذور يوجب تقديمه على العموم (١).
هو إنّ القول بأنّ عدم تقدّم المفهوم يستلزم إجراء قواعد التعارض فيما ليس طرفاً للمعارضة غير تام ، لاستحالة وقوع المفهوم طرفاً لها وعدم وقوع
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ / ٣٨٣.