وسلك المحقق الأصفهاني (١) طريقاً آخر لحلّ المشكل ، لأن الإنشاء لا يمكن أن يكون بداعيين ، بل كلّ إنشاء بداعٍ من الدواعي فهو مصداق لذاك الداعي ، وفيما نحن فيه ، عند ما يراد التمسّك بالعام لإثبات البعث الجدّي وترتيب الحكم ، يأتي الإشكال بأنّ هذا البعث إن كان جدّياً فلا يجتمع مع التخصيص ، وإن لم يكن فلا يصلح للتمسّك به للكشف عن الفرد المشكوك فيه. فقال المحقق الأصفهاني : إن كان المخصّص قبل العمل بالعامّ ، فالموضوع للحكم غير محدّد ولا مانع من التمسّك به ، ومن كان بناؤه على بيان مراداته بالمخصّصات المنفصلة ، فالمطابقة بين إرادته الاستعمالية والجديّة حاصلة.
وأمّا إن جاء المخصّص بعد حضور وقت العمل بالعام ، فالبعث الجدّي هو المدلول له ولا ينافيه التخصيص ، لأن البعث الجدّي نحوه واحد ، غير أنه بالنسبة إلى الأفراد المخصّصة ناشئ من المصالح الظاهرية من تقيّةٍ ونحوها ، وبالنسبة إلى الأفراد غير المخصّصة ناشئ من المصالح الواقعية ، فكان شمول كلّ العلماء للفسّاق لمصلحة ظاهريّة ، والبعث الشامل لهم وللعدول جدّي ، فالتطابق بين الإرادتين موجود.
وقد تعرّض شيخنا لهذا الطريق في الدورة السّابقة ، فأورد عليه بعد غض النظر عمّا فيه : بأنّ كشف الخاص عن انتهاء أمد البعث إلى بعض الأفراد وأن البعث إليها كان ناشئاً من المصلحة الثانوية ، إنمّا يتم في الخاص المتأخّر ، أمّا المتقدّم فكيف يكون كاشفاً بل هو أقوى في المخصصيّة من المتأخر؟ هذا أولاً. وثانياً : إذا
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ / ٤٥١.