الإرادة علّة لتحقّق الشيء في الخارج ، وهذا غير أنْ يكون الخارج متعلّقاً لها ، فلا ينبغي الخلط.
الوجه الثالث : إن طبيعة الشوق ـ بما هو شوق ـ لا تتعلَّق إلاّ بالحاصل من وجهٍ والمفقود من وجه ، إذ الحاصل من جميع الجهات لا جهة فقدان له كي يشتاق إليه النفس ، والمفقود من جميع الوجوه لا ثبوت له بوجهٍ كي يتعلَّق به الشوق ، فلا بدَّ من حصوله بوجوده العنواني الفرضي ليتقوم به الشوق ، ولا بدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقيقي كي يكون للنفس توقان إلى إخراجه من حدّ الفرض والتقدير إلى حدّ الفعلية ... وحاصل هذا : أن الموجود الخارجي يستحيل أن يكون هو المتعلَّق للإرادة والكراهة ، لكونه موجوداً من جميع الجهات.
وهذه الوجوه جارية في الإرادة التكوينية والتشريعية معاً ، غير أنّ التكوينية لا واسطة فيها بخلاف التشريعية ، إذ المراد صدور الفعل من المكلَّف ، والتكوينية لا تتعلَّق بالمعدوم كما تقدَّم ، بخلاف التشريعية ، فإنّها تتعلَّق بالفعل الذي يراد صدوره من المكلف.
ولما ذهب إليه المحقق الاصفهاني ، قال تلميذه في (المحاضرات) (١) بعدم وجود التضادّ بين الأحكام أنفسها ، بل هو في مبدأ الحكم وفي منتهاه. أمّا عدم وجوده بينها ، فلأن البعث والزجر أمران اعتباريان ولا تمانع بين الاعتباريين.
لكنه في مبدإ الحكم وهو المحبوبية والمبغوضية ، فإنهما لا يجتمعان في الشيء الواحد ، وكذا في منتهى الحكم وهو مقام الامتثال ، لأن الفعل والترك لا يجتمعان.
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٣ / ٤١٣.