فالمختار عنده ما عليه المشهور ـ كما قيل ـ من أن مدلولهما نفس مدلول المادّة والصيغة في الأمر ، وهو الطّلب ، غير أنّ المتعلّق مختلف ، إذ النهي عبارة عن طلب ترك الشيء.
فإن قيل : إن الترك لا يتعلّق به الطلب ، لأنه أمر عدمي والعدم لا يتعلّق به غرض ، بل الصحيح هو القول بأن النهي طلب كفّ النفس.
فالجواب : أمّا على القول بأن عدم الملكة له حظ من الوجود فواضح ، لتعلّق الغرض به. وأمّا على القول بأنه لا حظّ له من الوجود عقلاً ، فالجواب : إن الأعدام المضافة إلى الوجود تتعلّق بها الأغراض عقلاءً.
فإن قيل : إنه إذا كان النهي طلب الترك والعدم ، فإنّ العدم غير مقدور ، ولا يعقل طلب غير المقدور ... ولذا يكون المتعلّق هو الكفّ لا الترك.
فأجاب : بأن العدم غير المقدور هو العدم الأزلي لا العدم بحسب البقاء والاستمرار فهو مقدور ، والتكاليف إنما هي بحسب البقاء والاستمرار لا بحسب الأزل.
فالإشكالان مندفعان.
لكن يرد عليه :
أمّا ثبوتاً : فإن الطلب معلول للشوق ، ومعلول معلول للمصلحة ، وما لا تترتب عليه المصلحة لا يتعلّق به الشوق ، وأيّ مصلحة تترتب على العدم؟
والحاصل : إنه لا يعقل بالنسبة إلى الترك إلاّ الشوق بالعرض ، بمعنى أنّه لما يكون وجود الشيء غير مشتاقٍ إليه فعدمه يكون مطلوباً ، أمّا الترك أوّلاً وبالذات ، فلا يتعلّق به الشوق فلا يتعلّق به الطلب.
هذا أوّلاً.