إلاّ أنه قد وقع الكلام بينهم في أنّ الإطلاق واللابشرطيّة والسّريان ، بعد أنْ كان خارجاً عن المعنى الموضوع له اللّفظ ، هل هو ذاتيٌّ للمعنى ، بأنْ يكون لماهيّة الرقبة ـ مثلاً ـ سريان ذاتي في أفرادها ، كالتعجّب بالنسبة إلى الإنسان ، فإنّ لفظ الإنسان موضوع للحيوان الناطق ، وليس التعجّب داخلاً في المعنى ، إلاّ أنه لازم ذاتي له ، أو أنْ ذلك محتاجٌ إلى اللّحاظ ، بأنْ تلحظ ماهية الرّقبة بنحو اللاّبشرط؟
قال جماعةٌ بالأوّل ، وقد أقام الإيرواني (١) البرهان عليه بما حاصله : أنّ وضع اللّفظ للمعنى حكمٌ من قبل الواضع ، ومن الواضح أنّ الحاكم لا يحكم بثبوت المحمول لموضوعٍ مهمل ، لأنّ كلّ قضيّة مهملة فهي في قوّة الجزئية ، فلا يكون اللّفظ موضوعاً للماهيّة المجرّدة ذاتها عن الإطلاق ، وإلاّ لزم في كلّ موردٍ يستعمل فيه اللّفظ أنْ يكون الاستعمال بلا وضع ، وهذا باطل ... فالوضع للماهيّة المهملة غير ممكن.
(قال) : وهذا أشدّ ما يرد على القائلين بخروج الإطلاق عن حريم المعنى.
وقد أجاب الأُستاذ عن هذا البرهان :
بأنّ ذاتيّة الإطلاق بالنسبة إلى الماهيّة لا تخلو ، إمّا أن تكون من ذاتيّ باب الكليّات الخمس ، أو من ذاتيّ باب البرهان ، ولا ثالث.
أمّا كونه من الأوّل فباطلٌ ، لأن ذاتيّ باب الكليّات الخمس هو الجنس والفصل والنوع ، والإطلاق للماهيّة التي هي موضوعٌ للقضيّة ليس الجهة الجنسيّة للماهيّة ولا الفصليّة لها ، كما لا يعقل كونه مركّباً من جهتي الجنس والفصل.
__________________
(١) نهاية النهاية : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.