فإنّ الخطاب على قسمين ، فإنْ كان حقيقيّاً ، فإنّ خطاب المعدوم على نحو الحقيقة غير معقول ، إذ يحتاج إلى المخاطب الحاضر الملتفت. وإنْ كان خطاباً إيقاعيّاً فهذا ممكن بالنسبة إلى المعدوم ، لأنه مجرّد الإنشاء وليس شيء آخر وراءه ، ولذا قد يخاطب الجمادات بشيء كما لا يخفى.
فالمهمُّ هو التحقيق عن وضع أدوات الخطاب ، لأنّها إنْ كانت موضوعةً للخطاب الحقيقي ، كانت الخطابات الشرعية مختصّةً بالحاضرين ، فلا تشمل الغائبين فضلاً عن المعدومين ، وإن كانت موضوعةً للخطاب الإنشائي شملت المعدومين والغائبين كالحاضرين المشافهين.
وقد ذهب صاحب (الكفاية) (١) في هذه الجهة إلى أنّ الموضوع له الأدوات هو الخطاب الإنشائي ، فتعمّ الغائب والمعدوم ، بدليل استعمالها في خطاب المعدوم بل غير العاقل بلا أيّة عنايةٍ ، (قال) : ولا يتوهّم وجود العناية ، لأنّه لو كان هناك علاقة وعناية لعلم بها المتكلّم ، لأن الخطاب فعلٌ من أفعاله ولا يعقل عدم التفاته إلى العناية ، فهو يخاطب الدار والجدار والكواكب والأشجار مثلاً بنفس كلمة «يا» التي يستعملها مع ذوي العقول ... فهذا برهان على عموم الوضع ... نعم ، المنصرف إليه هذه الأدوات مع عدم القرينة هو الخطاب الحقيقي ... وعلى الجملة ، فإنّ جميع الخطابات الموجودة في الكتاب والسنّة محمولة على الخطاب الإيقاعي الإنشائي ، لوجود القرائن ، فهي عامّة للحاضرين والغائبين والمعدومين.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.