الثالث : إنه على مختار صاحب (الكفاية) من أن الخروج من الدار المغصوبة هو بحكم العقل ، من باب الأخذ بأخف المحذورين ، يكون هذا الحكم العقلي كاشفاً عن إمكان الخروج ، فكيف يمكن أن يكون الخروج من صغريات تلك القاعدة؟
الرابع : إن ما نحن فيه ومورد القاعدة متعاكسان ، لأن موردها ما إذا تحقّقت المقدّمة ثبت الخطاب وكان فعليّاً ، كما في الحج ، فإنه إذا سافر وأدرك يوم عرفة صار الحكم بوجوب الحج فعليّاً ، فلو ترك انطبقت القاعدة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّه إذ وجدت المقدّمة ـ وأعني بها الدخول ـ يسقط الخطاب بترك الخروج ، أي النهي السابق عن التصرّف الخروجي بعد الدخول.
(قال) فتبيّن من هذه الأدلّة بطلان دخول المقام تحت قاعدة : الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فلا مناص عن الالتزام بكونه داخلاً تحت قاعدة وجوب ردّ مال الغير إلى مالكه ، والخروج بما أنه محقّق لذلك يكون واجباً (١).
وبالتأمّل في الامور المذكورة يظهر أنّ وجهة النظر في ثلاثةٍ منها إلى إنكار صغرى قاعدة الامتناع ، إلاّ أنه قد وقعت الغفلة عن نكتةٍ هي : إنّ الامتناع عن الانبعاث أو الانزجار قد يكون عقليّاً ، كما أنه قد يكون تكوينياً وقد يكون شرعيّاً ، وامتناع انزجار المكلّف فيما نحن فيه عقلي ، وإلاّ فإنه بعد الدخول في ملك الغير متمكّن من الخروج تكويناً ، كما أنه لا امتناع للانزجار شرعاً ، لأنّ الشارع ليس له هنا أمر ولا نهي ـ كما عليه صاحب (الكفاية) ـ بل الحاكم بالخروج والناهي عن البقاء هو العقل ، فإنه يلزمه بالخروج لكونه أخفّ المحذورين ، فقد وقع هذا
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ / ١٨٧ ـ ١٩٣.