وثانياً : إنّ مدلول النهي عند هذا المحقق هو الطلب الإنشائي ، ولا بدّ من صدوره عن الإرادة الجديّة ، لكن تعلّقها حقيقةً بالعدم غير معقول ، لأنه ـ وإن كان مضافاً إلى الوجود ـ غير قابلٍ للوجود.
وأمّا إثباتاً : فإن «لا تفعل» الذي هو طلب الترك ، يشتمل على مادّةٍ وهيئة ، أمّا المادّة فمدلولها الفعل ، وأمّا الهيئة فمدلولها ـ على الفرض ـ هو الطلب ، فأين الدالّ على الترك؟ بخلاف الأمر ، فإنّ مدلول الهيئة في «صلّ» هو الطلب والمتعلّق هو مادّة الصّلاة ، فكان المدلول : طلب الصّلاة ، وهو يقتضي إيجادها.
فما ذهب إليه صاحب (الكفاية) مخدوش ثبوتاً وإثباتاً.
وقد خالف سائر الأعلام المحقق الخراساني في هذا المقام ، وذهبوا إلى أنّ مدلول النهي يغاير مدلول الأمر لكنّ المتعلّق واحد ، ثم اختلفوا على أقوال :
القول الأول
إن مدلول النهي هو الكراهة ومدلول الأمر هو الإرادة.
وفيه : إنّ الإرادة والكراهة هما المبدأ والعلّة للأمر والنهي ، وعلّة الشيء لا تكون مدلولاً له.
القول الثاني
إنّ مدلول النهي عبارة عن حرمان المكلّف من الفعل ، ومدلول الأمر عبارة عن ثبوت الشيء في ذمة المكلّف. والأساس في هذا القول هو : أن حقيقة الإنشاء عبارة عن الاعتبار والإبراز أو إبراز الاعتبار. (قال) ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث الإنشاء والإخبار من أن العقود والإيقاعات كالبيع والإجارة والطلاق والنكاح أسام لمجموع المركب الاعتباري النفساني وإبراز ذلك في الخارج بمبرز ، فلا يصدق