هندٌ (١).
ومثله ما حكاه صاحب الكتاب من قولهِم : حضَر القاضِي اليوم امرأة (٢) وَأَ نَا أرى أَنَّ تذكيرَ (كان) معَ تأِنيثِ اسمها أَسهل مِن تذكيرِ الأفعال سواها وسوى أَخواتها مع فاعليها (٣). وكان في الدار هندٌ أسوَّغَ من قامَ في الدار هندٌ ، وذلك أنَّهُ إِنَّمَا احتيجَ إلى تأنيثِ الفعلِ عند تأنيثِ فاعلهِ لأَنَّ الفعلَ انطبعَ بالفاعلِ حتَّى اكتسى لفظُه من تأنيثِهِ فقيلَ : قامتْ هند وانطلقت جُمْل ، من حيث كان الفعل والفاعل يَجرِيان مجرى الجزء الواحد ، وإنَّمَا كانَ ذلك كذلك لأَنَّ كُلَّ واحد منهما لا يستغني عن صاحبه ، فأنث الفعل إيذاناً بأَنَّ الفاعلَ الواقعَ بعدَهُ مؤنث ، وليس كذلك حديثُ كانَ وأَخواتها ، لأَ نَّهُ لَيسَتْ (كان) معَ اسمها كالجزءِ الواحدِ ، من قِبَـلِ أَنك لو حذفتَ (كان) لاستقلَّ ما بعدَها برأسهِ ، فقلت في قولِك : كانَ أَخوك جالساً : أخوك جالسٌ ، فَلَمَّا أَنْ قامَ ما بعدَها برأسِه وَلَم يحتجْ إليها لم يتّصلْ بهِ اتّصالَ الفاعلِ بفعلِهِ ، نحو قامَ جعفرٌ وجلسَ بِشْرٌ.
أَلاَ تراك لو حذفتَ الفعلَ هُنا لاتفردَ الفاعل جزءاً برأسهِ فَلم يستقلّ بنفسِه استقلاَلَ الجملةِ بعدَ (كانَ) بِنَفسِهَا؟ فَلَمَّا لَم تَقوَ حاجتُه إلى (كان) قوةَ حاجة الفاعل إلى الفعلِ انحطّتْ رتبتُهُ في حاجتِهِ إلى (كانَ) ، فامتازَ مِنْهَا
__________________
(١) ذكر هذه الوجوه العكبري مع تقديم وتأخير فيها كما ذكرها أبو حَيَّان.
انظر : إملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ٢٥٦ والبحر المحيط : ٤ / ١٩٤.
(٢) عبارة سيبويه : (حضر القاضي امرأة). الكتاب : ١ / ٢٣٥.
(٣) قالَ أَبو حيان : لا أعرف هذا عن النحويين ولم يفرّقوا بين كان وغيرها.
انظر : البحر المحيط : ٤ / ١٩٤.