اختيار الأفصح والأعذر ولكن من وراءِ ذلك ما أَذكرُهُ (١).
(اعلْم أَنَّ نكرةَ الجنسِ تفيد مفادَ معرفتهِ ، أَلا ترى أَنَّك تقولُ : خرجت فإذا أَسدٌ في الباب فتجد معناه معنى قولك : خرجتُ فَإِذا الأسد بالباب لا فرق بينهما ، وذلك أنّك في الموضعين لا تريد أَسداً واحداً معيناً وإنَّما تريد خرجت فإذا بالباب واحدٌ مِنْ هذا الجنس ، وإذا كانَ كذلك جازَ هنا الرفعُ في «مُكَاءً وَتَصْدِيَةً» جوازاً قريباً حَتَّى كَأَ نَّهُ قالَ : وَما كانَ صلاتَهم عندَ البيتِ إلاَّ المُكَاءُ والتَّصديةُ ، أَي : إِلاَّ هذا الجنس من الفعلِ ، وَإِذا كانَ كذلك لَمْ يجرِ هذا مجرى قولك : كان قائمٌ أَخَاك وكانَ جالسٌ أَباك ، لاَِنه ليسَ في جالس وقائم معنى الجنسية التي تلاقي معنيا نكرتها ومعرفتها على ما ذكرنا وقدّمنا) (٢). وأيضاً فَإِنَّه يجوزُ مع النفي مِنْ جعل اسم كان وأَخواتِها نكرة ما لا يجوز مع الإيجاب ، أَلاَ تَراك تَقولُ : ما كان إِنسان خيراً منك ، ولا تجيز : كان إنسان خيراً منك (٣)؟ فكذلك هذه القراءة أَيضاً لما دخلها النفي قوى وحسن جعل اسم كان الجنس لمعرفته ، ولهذا ذهب بعضهم في قول حسان :
كَأَنَّ سبيئةً مِنْ بيتِ رأس |
|
يكونُ مزاجَها عسلٌ وماءُ (٤) |
__________________
(١) نقل هذا الكلام الطبرسي عن أبي الفتح. انظر : مجمع البيان : ٩ / ١٤٢.
(٢) انظر : ص : ٩٨.
(٣) لأ نّك تلبس حيث لا يستنكر أن يكون في الدنيا إنسان هكذا لكن يجوز أَنْ تقول ما كان أَحد خيراً منك. انظر : الكتاب : ١ / ٢٢ و ٢٧.
(٤) السبيئة : الخمر ويروى مكانَها (سلافة) و (مدامة) وهي بمعنى واحد. انظر : ديوان حسّان : ٣ والكتاب : ١ / ٢٣ والمقتضب : ٤ / ٩٢ وشرح أبيات سيبويه للنحاس : ٤٢ وشرح المفصل : ٧ / ٩١ والخزانة ط. بولاق : ٤ / ٤٠ وهمع الهوامع : ١ / ١١٩ والدرر اللوامع : ١ / ٨٨.