قال أَبو الفتح : معنى يُسارِعونَ في قراءة العامّةِ : أَي يسابِقُون (١) غيرَهُم ، فهو أَسْرع لَهُم وأظهر خُفُوفاً بِهِم ، وأما يُسرِعون فَأَضْعَف (٢) معنىً في السرعةِ من يُسارِعون ، لأَنَّ مَنْ سَابَقَ غيرَهُ أحرصُ على التقدُّمِ مِمَّنْ آثر الخُفوف وَحْدَهُ. وَأَمَّا سَرُعَ فعادةٌ وَنَحِيزَةٌ. أَي : صار سريعاً في نَفْسِهِ.
وَفَعلَ مِنْ لَفْظِ فَاعَلْتُ ضربان : متعدّ وغيرُ متعدّ.
فالمتعدّي كضربتُ زيداً وضارَبْتُهُ ، وغيرُ المتعدّي كقمتُ وقاومتُ زيداً. أمَّا أسرعَ وَسَرُعَ جميعاً فغيرُ متعدّيين ، لكنْ سَرُعَ غريزة وأَسْرَع كَلَّفَ نفسَهُ السرعةَ لكنْ سارع متعدّ (٣).
وقرأَ عِكرمة : (وَأَهُسُّ) (٤) بالسين.
قالَ أبو الفتح : أمَّا أَهسُّ بالسين غير معجمة فمعنُاه أَسوق. رجلٌ هَسَّاسٌ أَي : سَوَّاق ، فإن قلتَ : فكيفَ قالَ : أَهسُّ بِها على غَنَمي؟ وَهَلاَّ قالَ : أَهسَّ بِها غَنَمِي؟ كقولك أَسوقُ بِهَا غَنَمي؟ قيل : لَمَا دخلَ السَّوقَ معنى الانتحاءِ لَها والمَيل بها عليها استعمل مَعَها (عَلَى) حملاً على المعنى (٥) ، ومن ذَلِك قولُهم كفى باللهِ ، أَي كفى اللهُ ، إِلاَّ أَنَّهُم زادوا الباءَ حملاً على معناهُ إِذْ كان في معنى
__________________
إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللهَ شَيْئاً).
(١) فهو متعدّ لأَ نَّهُ أُريدَ بِهِ معنى المشاركةِ وهذا ما سيستنتجه في آخر كلامه.
(٢) قال في البحر المحيط : ٣ / ١٢١ : وقراءة الجماعة أَبلَغُ ، لأَنَّ مَنْ يسارع غيرَه أَشَدّ اجتهاداً من الذي يُسْرِعُ وَحْدَه.
(٣) المحتسب : ١ / ١٧٧.
(٤) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ١٨ : (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآ رِبُ أُخْرَى).
(٥) قال العكبري عدَّى بعلى لأَنَّ معناهُ : أقوم بها ، أو أهول. انظر : إملاء ما منَّ به الرحمن : ٢ / ١٢٠.