كاستئنأفِ الحاضر ، فذلك فرق (١).
وَروَى هَارونُ ، عَنْ طُلَيْقِ المُعلّمِ ، قَالَ : سَمِعتُ أَشْيَاخُنَا يَقْرَؤون : (لَيَأتِيَنَّكم) (٢) بالياء.
قَالَ أَبو الفتح : جَازَ التذكيرُ هنا بَعْدَ قولهِ تعالى : (لاَ تَأْتِيْنَا السَّاعَةُ) لأَنَّ الَمخُوفَ منها إنَّما هو عِقَابُها ، والمأمُولُ ثوابُها ، فقلبَ معنى التذكير الذي هو مَرْجوٌّ أَو مَخُوفٌ ، فذكَّرَ على ذلك وإِذا جَازَ تأنيثُ المُذكَّر على ضرب من التأويلِ كانَ تذكيرُ المؤنَّثِ ـ لغلبة التذكير ـ أَحْرَى وأَجدرَ (٣).
ألا تَرى إلى قولِ اللهِ سبحانَه : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) (٤) ، لأَنَّ بعضَها سَيَّارة أيضاً؟ وعليهِ قولُهُم : ذَهَبتْ بعضُ أصَابِعِهِ (٥) ، لأَنَّ بعضَهَا إصبَعٌ في المعنى.
وحكى الأَصمعيُّ عَنْ أَبي عَمرْو قال : سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ اليمنِ يقولُ فُلان لَغُوب ، جاءَتْهُ كِتابي فاحتقرَهَا.
فقلتُ لَهُ : أتقولُ : جاءتُهُ كِتَابي؟ فقالَ : نعم ، أَلَيْسَ بصحيفة؟ (٦) وَهَذا من أَعرَابِيِّ جَاف ، هو الَّذِي نَبَّهَ أصحابَنَا إلى انتزاع العِلَلِ (٧).
__________________
(١) المحتسب : ٢ / ١١١ و ١١٢.
(٢) من قوله تعالى من سورة سبأ : ٣٤ / ٣ : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ).
(٣) قال في الخصائص : وتذكير المؤنّث واسعٌ جداً ، لأ نّه فرعٌ إلى أصل ، لكنَّ تأنيثَ المُذكَّرِ أذهبُ في التَّنَاكُرِ والإِغرابِ. الخصائص : ٢ / ٤١٥.
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ١٠.
(٥) الكتاب : ١ / ١٥.
(٦) انظر : ص : ٢١٦ والمحتسب : ١ / ٢٣٨.
(٧) المحتسب : ٢ / ١٨٦.