يُهِمَانِهم وَيَعْنِيانِهِم (١) ، وَمِنْ شِدَّة قوّةِ العنايةِ بالمفعولِ أَنْ جاؤوا بأفعال مُسْنَدَة إلى المفعولِ ، وَلَمْ يَذْكُروا الفاعِلَ مَعَها أَصْلاً ، وهي نحو قولهِمِ : امْتُقِعَ لَوْنُ الرَّجُلِ ، وانْقُطِعَ بِهِ ، وَجُنَّ زيدٌ ، وَلَم يَقُولُوا : امْتُقِعَه ولا انقطعه ، ولا جَنَّهُ ، ولهذا نظائر فهذا كإسنادهم الفعلَ إلى الفاعل البتة فيما لا يَتَعَدّى ، نحو قامَ زيدٌ وَقَعَدَ جعفرٌ (٢).
وقرأ ابنُ مسعود : (فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم) (٣).
قالَ أَبو الفتح : لَفظُ هذا الموضع على الاستفهام (٤) ، ومعناه الوضوح والاختصاص ، وذلك أن الغرض فيه إنّما هو : فإذا نَزَلَ العذابُ بساحَتِهم.
يَدُلُّ عليهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ مَعَهُ : (أفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ) (٥)؟ فإذا قال : (فَإذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِمْ) (٦) فَلاَ محالة أَنَّ معناهُ : فَإذا نَزَل عَذَابُنَا بِسَاحَتِهِم فَأبْهَمَ الفاعِلَ واعتمدَ ذِكْرَ المكانِ المنزل فيهِ.
وَمِثْلُهُ في المعنى قولُ اللهِ سبحانه : (وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفاً) (٧) وَنَحْنُ نَعْلمُ أنَّ اللهَ تعالى خالقه. وَكَذَلِك : (خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَل) (٨) ، ألاَ تَرَى إلى
__________________
(١) انظر : الكتاب : ١ / ١٥.
(٢) انظر : ص : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ والمحتسب : ٢ / ٢٨٤.
(٣) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ١٧٧ : (فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ).
(٤) لأنّ الآية مكمّلة لآية الاستفهام السابقة ، سورة الصافّات : ٣٧ / ١٧٦ : (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ)؟
(٥) سورة الصافّات : ٣٧ / ١٧٦.
(٦) سورة الصافّات : ٣٧ / ١٧٧.
(٧) سورة النساء : ٤ / ٢٨.
(٨) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٧.