قالَ أَبو الفتحِ : الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ قُطْرُب في هذا أَنَّ قِراءةَ مجاهد : (فَلا تَشْمَتْ بِيَ الأَعْدَاءُ) رفعٌ (١) ـ كما تَرَى ـ بِفِعْلِهِم ، فالظاهر أنَّ انصرافَهُ إِلى الأعداءِ ومحصوله : يا ربِّ لا تُشْمِتْ أَنْتَ بِي الأَعداءَ ، كقراءة الجماعة.
وأَمَّا مع النَّصْبِ فَإِ نَّهُ كأ نَّه قالَ : لا تشمَتْ بِي أَنْتَ يَا رب وجازَ هذا كما قال الله سبحانه : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٢) وَنَحوهُ مِمَّا يَجْرِي هَذا الَمجرَى ، ثُمَّ عادَ إلى المُرادِ فَأَضْمَرَ فِعْلاً نصبَ بهِ الأَعداءَ (٣). فَكَأَ نَّه قَالَ : لا تُشْمِتْ بِيَ الأعداءَ كقراءَةِ الجماعة (٤).
وَقَرأَ الحسنُ : (وَلاَ تُعْدِ عَيْنَيْك) (٥).
قال أَبو الفتح : هذا منقول من عَدَتْ عيناك ، أَي جاوزتا. من قولهم : جاء القوم عدَا زيداً ، أَي : جاوز بَعْضُهم زيداً ، ثُمَّ نقل إلى أعديتُ عينِي عَنْ كَذا ، أَي : صرفتها عنه ، قال :
حَتَّى لَحِقْنَا بِهِم تُعْدِي فَوَارِسُنَا |
|
كَأنَّنَا رَعْنُ قُفّ يَرْفَعُ الآ لاَ (٦) |
__________________
(١) كذلك في (مختصر في شواذ القرآن) : ٤٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٥.
(٣) قال أبو حيَّان : هذا خروج عن الظاهر وَتَكلُّفٌ في الإعراب وقد روى تعدى شَمَتَ لغة فلا يُتَكَلَّفُ أنَّها لازمةٌ مع نصب الأعداءِ ، وأَيضاً قولُهُ : (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) سورة البقرة : ٢ / ١٤. إنَّمَا ذلك على سبيل المقابلة لقولِهِم : (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) فقال : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) سورة البقرة : ٢ / ١٥. انظر : البحر المحيط : ٤ / ٣٩٦.
(٤) المحتسب : ١ / ٢٥٩.
(٥) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٢٨ : (وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَـا).
(٦) البيت للنابغة الجعدي. والرَّعْنُ أوَّلُ كُلِّ شيء ، والقفُّ : ما غَلُظَ من الأرض ولم يَبلُغْ أنْ