قال أبو الفتح : أما (نُنَسِّهَا) فَنُفَعّلُها من النسيان ، فيكون فَعَّلت في هذا كأَفعلت في قراءَة أَكثرِ القُرَّاء : (نُنْسِها). وهو في الموضِعَينِ على حذفِ المفعولِ الأول ، أَي : أوْ نُنْسِي أَحداً إيَّاهَا كقولِك : ما نَهَبُ مِن قرية أَو نُقْطِعُها ، أي : أو نُقطِعُ أَحَداً إيَّاهَا.
وَمَنْ قَرَأَ (تَنْسَها) أَرادَ أو تَنْسَها أَنْتَ يَا مُحمّدُ (١).
ومن قَرَأَ (تُنْسَها) مَرَّ أيضاً عَلَى تَنْسَها أَنْتَ ، إِلاَّ أنَّ الفاعِلَ هنا يَحتَمِلُ أمرين : أحدُهُمَا : أنْ يَكونَ المُنْسِي لَهَا هو الله تعالى.
والآخر : أنْ يَكونَ المُنْسِي لَهَا ما يَعتادُ بني آدمَ مِنْ أَعراضِ الدُّنْيَا غَمّاً أوْ هَمّاً أوْ عَداوة مِنْ إِنسان أوْ وَسوَسَة مِنْ شيطان (٢).
قرأَ إِبراهيم : (وَكَلَّمَ اللهَ موسى) (٣) اسمُ اللهِ نصبٌ.
قالَ أَبو الفتحِ : يَشْهَدُ لِهَذِهِ القراءةِ قولَهُ (جَلَّ وعزَّ) حكايةً عنْ موسى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْك) (٤) وغيره من الآي التي فيها كلامُ اللهِ تعالى (٥).
وقرأَ مجاهد : (فَلاَ تَشْمِتْ بِيَ الأعدَاءَ) وَقَرَأَ أَيضاً (فَلاَ تَشْمَتْ بِيَ الأَعْدَاءُ) (٦).
__________________
(١) هذه القراءة باطلة حتماً ، لأ نّها مرتكزة على القول بعدم عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وجواز نسيانه (صلى الله عليه وآله) ما يؤمر بتبليغه ، وهو توهمٌ محضٌ ، ولقوله تعالى من سورة الأعلى : ٨٧ / ٦ : (سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنْسَى) ، وكل ما ترتب على هذا الوهم من الأثر فهو باطل ، لثبوت عصمة الأنبياء (عليهم السلام) مطلقاً.
(٢) المحتسب : ١ / ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٣) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ١٦٤ : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيْماً).
(٤) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٣.
(٥) المحتسب : ١ / ٢٠٤.
(٦) من قوله تعالى من سورة الأَعراف : ٧ / ١٥٠ : (فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الاَْعْدَاءَ).