كما أَنَّ قراءةَ مَن قَرَأ (١) : (أعلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبيلِهِ) مَنّ يَجُوزُ عَنهُ ، أَلا ترى إلى قَولِهِ قبل ذَلِك : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوك عَن سَبِيلِ اللّهِ) (٢) فلا محالة أَنَّه سبحانَهُ أَرادَ بِمَن يُضلّ عَنّ سَبيلِهِ ، فَحَذَفَ الباءَ وأَوصلَ (أعلَمُ)
هذه بنفسها (٣) أَو أَضمر فعلاً واصِلاً تدلّ هذهِ الظاهرةُ عليهِ (٤) ، حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ يَعْلَمُ ، أَو عَلِمَ مَن (مَن يَضِلُّ عَن سَبيلِهِ). وَيُؤكِدُ ذَلِك ظُهورُ الباءِ بَعْدَهُ مَعَهُ في قولِهِ : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِيْنَ) (٥). وَقولِهِ بَعدَهُ : (إنَّ رَبَّك هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعتَدِيْنَ) (٦) وَقَد يَجُوزُ أَن تَكُونَ (مَن) هذه مرفوعةً بالابتداءِ (٧) وَيُضِلُّ بَعْدَهُا خبرٌ عنها ، و (أعلَمُ) هذه معلقة عن الجملة ، حتّى كَأَ نَّهُ قَالَ : (إنَّ رَبَّك هُوَ أَعلَمُ) أَيُّهُم (يُضِلُّ عَن سَبِيلِهِ) ، كَقَولِهِ تَعَالَى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً) (٨).
فَأمَّا الجَرُّ فَمَدفوعٌ مِن حيثُ ذَكَرنَا ، وإذا كانَ ذَلِك كَذَلِك علمتَ أَنَّ (مَنْ) في قَولِ الطائِي (٩) :
__________________
(١) هي قراءة الجمهور.
(٢) سورة الأَنعام : ٦ / ١١٦.
(٣) قال في البحر المحيط : ٤ / ٢١٠ : قال أَبو الفتح : في موضع نصب بأَعلم بعد حذف حرف الجرّ وهذا ليسَ بجيد لأَنَّ أَفعل التفضيل لا يعمل النصب في المفعول به. والكوفيون يجيزون إعمال أفعل التفضيل في المفعول به.
(٤) هذا قول أَبي علي الفارسي انظر : البحر المحيط : ٤ / ٢١٠.
(٥) سورة الأَنعام : ٦ / ١١٧.
(٦) سورة الأنعام : ٦ / ١١٩.
(٧) انظر : معاني القرآن وإعرابه للزَّجَّاج : ٢ / ٣١٤ وإملاء ما منَّ به الرحمن : ٢ / ٢٥٩ والبيان في غريب إعراب القرآن : ١ / ٣٣٦ والبحر المحيط : ٤ / ٢١٠.
(٨) سورة الكهف : ١٨ / ١٢.
(٩) هو أَبو تمام حبيب بن أَوس الطائي.