قال أَبو الفتح : لاَ يَجُوزُ أَن تَكُونَ (مَن) فِي مَوضِعِ جرٍّ (١) بإِضافة (أَعلَمُ) إِليها ، لا فِيمَنْ ضَمَّ يَاءَ يُضِلُّ ، ولا فِيمَن فَتَحَها ، مِن حَيثُ كَانَتْ (أَعْلَم) أَفعَل ، وَأَفعَل هذه متى أُضِيفَتْ إلَى شيء فَهْوَ بَعْضُهُ (٢) ، كَقَوْلِهِم : زيد أفضَل عَشيِرَتِهِ ، لأَ نَّهُ واحدٌ منهم ، ولا نقولُ زيدٌ أفضلُ إِخوتِهِ لأ نّه ليس منهم (٣). ولا نقول أيضاً : النبي صلّى الله عليه وآله أفضلُ بني تميم على هذا لأَ نَّهُ ليسَ مِنهُم ، لكنْ نقولُ : محمّد صلّى الله عليه وآله أَفضل بني هاشم لأَ نَّهُ مِنهُم ، والله يتعالى علواً عظيماً أنْ يَكونَ بَعضَ المُضِلِّينَ أو بعضَ الضّالِينَ (٤). فَأمَّا قولُهُ تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم) (٥) فليس من هذا وإنَّمَا تَأويلُ ذلك ـ والله أَعلمُ ـ وجدته ضَالاًّ كقولهِ : (وَوَجَدَك ضَالاًّ فَهَدَى) (٦) ، وَذَلِك مشروح في مَوضِعِهِ فِقُولُهُ أَيضاً : (أعلَمُ مَن يُضِلُّ عَن سَبِيلِهِ) (٧) أي : يُجيرُهُ عَنِ الحقِّ وَيَصدّ عنه.
__________________
(١) قال العكبري : «يجوز أنَ يَكون (مَن) في موضع جرّ أَمَّا على معنى هو أَعلمُ المُضلِّينَ ، أي : من يجد الضَّلالَ ، وهو من أَضَلَلتُهُ ، أي : وَجَدتُهُ ضَالاًّ ، مِثل أَحمَدتُهُ ، وَجَدتُهُ مَحمُوداً ، أَو بَمِعنَى أَنَّه يضلّ عن الهدى». وهو قول لم أجده عند غيره فيما قرأت. إملاء ما منَّ به الرَّحمن : ١ / ٢٥٩.
(٢) اقتصر العكبري في منع جواز الجرّ على قراءة من فتح (يَضِلُ) وعلَّلَ تعليل أَبي الفتح نفسَهُ. وذهبَ ابنُ الأنباري إلى ذلك أَيضاً وَلَم يتعرّضْ لقراءةِ الضَّمِّ.
انظر : إملاء ما منَّ به الرَّحمن : ١ / ٢٥٩ والبيان في غريب إعراب القرآن : ١ / ٣٣٦.
(٣) لأ نَّهُ يستلزم اجتماع النقيضين بأنْ يكونَ داخلاً مع إخوتِهِ وخارجاً عنهم.
ينظر : الأُصول لابن السَّرَّاج : ١ / ٢٧٢ والبغداديات : ٥٨٧ والبسيط : ٢ / ٩٣٧.
(٤) انظر : البيان : ١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧.
(٥) سورة الجاثية : ٤٥ / ٢٣.
(٦) سورة الضُّحَى : ٩٢ / ٧.
(٧) من قوله تعالى من سورة الأَنعام : ٦ / ١١٧ : (أعلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبيلِهِ).