كلمة المكتبة الأدبيّة
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين ، وبعد ..
جرت الفصاحة والبلاغة على لسان العرب قبل الإسلام على سجيّتهم عفواً من غير تكلّف ، مع احتفاظ قبائلهم بلهجاتها اللغويّة المميّزة بعضها عن بعض ، وكان لقبيلة قريش السهم الأوفر في ذلك مع هيبتها في نفوس العرب وزعامتها ، وصار لقريش موقع الصدارة في كلّ شيء ، وقويت شوكتها أكثر وأكثر بالدين الجديد الذي حاربته ، حيث اختار الله عزّوجلّ خاتم رسله (صلى الله عليه وآله) منهم ، وأوحى إليه الكتاب العزيز بلغتهم ، حتّى آمنوا به بعد لأيٍّ مطيعين وراغمين! ولعلمه تعالى بعتوّ المشركين وجبروتهم ، وخسّة المنافقين وقبيح أفعالهم ، وتحريف جيرانهم من أهل الكتاب توراتهم وإنجيلهم ، وما يفعله مرضى القلوب في نواديهم; تكفّل سبحانه بحفظ كتابه ، وأمر رسوله بتدوينه وتبيينه وترتيله ، وسخّر القلوب لحفظه ، وهدى الناس لتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، وهكذا تهيّأت الأسباب الكفيلة لحفظه وصيانته من عبث تلك الأصناف والزعانف المنتشرة حوله ، فشقّ طريقه إلينا عبر القرون تتناقله الملايين من المسلمين عمّن سبقهم وصولاً إلى عصره الأوّل. وكما وحّد القرآنُ العربَ في غضون مسيرته ، وجذبهم إلى الدين الجديد بسماحته وهديه; وحّد لغتهم كذلك; إذ حثَّهم على تدبّره ، فسعوا إلى تدبّر لغته والتبحّر فيها لأجل فهم مراد الكتاب ومراميه ، فتقلّصت بذلك لهجاتهم شيئاً فشيئاً ثمّ تلاشت تدريجيّاً ، وانحصر ذكرها في معاجم اللغة وقواميسها ، وسادت بفضله لغة قريش فشمخ أهلها من جديد بلهجتهم على سائر العرب. وهكذا كان للقرآن الفضل الأكبر والنصيب الأوفر في تماسك لغة العرب ، والحفاظ عليها ، وتطوير مبانيها على ضوء ما اكتشفه العرب من إيجاز القرآن وإعجازه ، وحلاوة لفظه وصفائه ، وصوره الفنيّة الرائعة ، وبيانه الرشيق الساحر ، وأدبه الجمّ ، ومعناه المفخّم. وكان من المفترض في الرعيل الأوّل أن يحفظوا كيفيّة قراءة النبيّ (صلى الله عليه وآله) للنصّ