وهَذَا عَلَى تَقْدِيرِك : (دُونِ الله) اسماً هُنا ، لا ظَرْفاً لأَنَّ الإضافة إليهِ تسلبُهُ معنى الظرفيَّةِ. ولا تستكثر كثرةَ المضافاتِ المحذوفةُ هَناك ، فإنّ المعنى إذا دَلَّ عَلَى شيء وَقَبْلَهُ القياسُ أَمِضيَ عَلَى ذَلِك وَلَمْ يُسْتَوحَشْ مِنْهُ أَلاَ تَرىَ إلَى قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) (١).
أَلاَ تَرَاهُ أنَّ مَعناهُ : مِن ترابِ أرض أَثَرِ وطءِ حافِرِ فرسِ الرَّسُولِ ، أيْ : مِن تُرابِ الأرضِ الحاملةِ لأثرِ وطءِ فرسِ الرسولِ ، المَعْنَى عَلَى هَذَا لأَ نَّهُ في تَصْحِيحِهِ لاستيفاءِ معانيهِ ، وإذا دَلَّ الدَّلِيلُ كَانَ التّعَجُبُ مِن حِيلَةِ العاجِزِ الذَّلِيلِ (٢).
وَرُويَ عَنْ سَعيد بِن جُبَير : (يَا أَيُّهَا الاْنسَانُ مَا أَغَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيمِ) (٣) ممدودة على التعجب.
قال أَبو الفتح : هَذَا كَقَولِ الله سبحانه : (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (٤).
أَيْ عَلَى أفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ فَفَيه حَذفُ مُضَافَينِ شَيئاً عَلَى شيء كَمَا قَدّمنَا (٥) فِي قولهِ : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) وَغَيرِ ذَلِك.
وَقِيلَ في قَولِهِ : (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي : ما الَّذِي دَعَاهُمْ إلَى الصَّبْرِ عَلَى مُوجِبَاتِ النَّار (٦)؟ فَكَذَلِك يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَيضاً : (ما أَغَرَك بِرَبّك
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٩٦.
(٢) المحتسب : ٢ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.
(٣) من قوله تعالى من سورة الانفطار : ٨٢ / ٦ : (يَا أَيُّهَا الاِْنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٧٥.
(٥) تنظر : ص : ٣٤٦.
(٦) وقد ذكر مثل هذا الأخفش قال : وقال بعضُهم : (فَمَا أَصْبَرَهُمْ) أيْ : ما أصبَرَهُم وَمَا الذي صَبَّرَهُمْ. أنظر : معاني القرآن للأخفش : ٦٧ / ب.