يلَم يَخْرُجَا إلى اللَّفْظِ استعمالاً ، كَمَا قَالوا : أَبْقَلَ المَكَانُ فَهو باقِل ، وأَورَسَ الرِّمْثُ (١) فَهو وارِسٌ ، وأَيْفَع الغُلاَم فَهو يَافِع ، وأغْضَى الليلُ فهو غَاض ، قَالَ :
يَخْرُجْنَ مِنْ أَجواز لَيْل غَاضِ (٢)
أَيْ مُغْض (٣) ، وقَالوا أَيْضا القحتِ الرّيحُ السَّحَابَ ، فهو لاَقِحٌ (٤) ، فَهَذَا عَلَى حذفِ همزةِ أَفْعَل ، وإنَّما قِياسُهُ مُلْقِح ، فَعَلى ذَلِك خَرَجَ (الرَّشَّاد) أَيْ : رَشَدَ بِمَعْنَى أَرْشَدَ تَقْدِيراً لا استعمالاً كَمَا قَالَ الآخر :
إذا ما اسْتَحَمَّتْ أَرضُهُ مِنْ سَمَائِهِ |
|
جَرَى وهْو مَودُوعٌ وواعِدُ مُصْدَقِ (٥) |
وكَانَ قَياسُهُ أَنْ يَكونَ مُودَع لاِ نَّهُ مِنْ أَودَعْتَه ، فَودَعَ يَدَعُ وهو وادِع ، ولا يُقالُ ودَعْتُه فِي هَذَا المعنى فيُقَالُ مَودُعٌ كَوضَعْتُهُ فَهو مَوضُوعٌ.
فَإنْ قِيلَ : فَإنَّ المَعنَى إنَّمَا هُو عَلَى أَرشَدَ ، فَكَيفَ أَجَزْتَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا
__________________
(٢) الرمث : شجر يشبه الغضى لا يطول ولكن ينبسط ورقه وهو شبيه بالأشنان.
انظر : تاج العروس : طبع الكويت ـ ٥ / ٢٦٤.
(٣) الرجز لرؤبة من شعر : يمدح به بلال بن أَبي بردة وبعده : نَضْو قِداح النابِلِ النواضي.
انظر : الديوان : ٨٢ وإصلاح المنطق : ٢٧٥ والمقتضب : ٤ / ١٧٩ والكامل : ١ / ٩٦ والتمام : ١٥٢ والمخصص : ٩ / ٣٩ ولسان العرب : ـ غضا ـ ١٩ / ٣٦٥.
(٤) في إصلاح المنطق : ٢٧٥ غض الليل فهو غاض ومُغْض إذا أظلم. وفي المُخَصِّص : ٩ / ٣٩ قال الفارسي : قال أبو العباس : أغضَى الليل ولا يقال غَضَا .... وفي اللسان : ـ غضَا ـ ١٩ / ٣٦٤ : ليل مَغض لغة قليلة وأَكثر مَا يُقالُ : ليل غاض.
(٥) في المخصص : ١١ / ١٠٩ «زَعَم أَبو العبَّاس أَنّهُ عَلَى طرح الزوائد ، قال أَبو عليّ : قال أحمد ابن يحيى : ليسَ على حذف الزوائد ولكنَّهُ يُقالُ ريحٌ لاقحٌ كما يُقالُ ريحٌ عقيمٌ».
(١) البيت لخُفاف بن نُدبة يصف فرسَه. واستحمَّتْ أَرضُهُ مِنْ سَمَائِهِ عرق فابتلَّ أسفله من أعلاه والمُصدَق : الصدق في كلّ شيء. يقول : إذَا عَرقَ وابتَلّتْ حوافِرُه مِنْ عَرَقِ أعاليه جَرَى في دعة لا يُضْرَبُ ولا يزُجَرُ ، ويصدقك فيما يعدك البلوغ إلى الغاية. انظر : الأصمعيات : ٢٤ والخصائص : ٢ / ٢١٦ والهمع : ٢ / ٨٤ والدرر اللوامع : ٢ / ١٠٨.